تزوير الانتخابات الأمريكية

TT

تصدى للرأي الذي أنكرت فيه الديمقراطية الغربية قبل عدة شهور من هذا المنبر الدولي، بعض من الناس الذين يؤمنون بقدسية الديمقراطية الغربية ويتخذون منها مثلا أعلى لكل الممارسات الديمقراطية في العالم، فإن اقتربت منها أصبحت صحيحة، وإن ابتعدت عنها صارت باطلة، وعندما رددت على المعترضين على قولي عن الديمقراطية الغربية وفسادها، قال قائل منهم إنني «جئت أكحّلها فعميتها»، لم أرد على هذا الكلام لأنه لغو يدخل من يخوض فيه في المهاترات، حتى جاءت الانتخابات للرئاسة الأمريكية، وما حدث لها في ولاية فلوريدا فتح العيون التي ادّعوا بأني عميتها لترى بوضوح تردي الديمقراطية الغربية في أكبر معاقلها الولايات المتحدة الأمريكية بالتدخل في الحريات الشخصية للناس، وعدم القبول بالرأي الآخر واللجوء إلى تزوير الانتخابات ليفرضوا إرادة الأقلية على رغبة الأغلبية التي تمثلها القاعدة العريضة من الجماهير الشعبية الأمريكية، التي اختارت جورج بوش الابن رئيساً، لتفرض عليها بالتزوير في احتساب الأصوات آل جور رئيسا على الولايات المتحدة الأمريكية بالتعيين من قبل الأقلية اليهودية التي تشكل نسبة %2 من الشعب الأمريكي لتدعم بهذا التعيين جوزيف ليبرمان اليهودي المتعصب، ليصبح اليوم نائباً للرئيس وفي الغد «القريب» أو البعيد بعد أربع أو ثماني سنوات رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية.

نحن لا نتعاطف مع «الحمار» الديمقراطي أو مع «الفيل» الجمهوري في سباقهما إلى البيت الأبيض لأن كليهما يقف إلى جانب إسرائيل، التي تفضل اليوم الاستمرار في ركوب «الحمار» الديمقراطي لأنه أسرع من «الفيل» الجمهوري في الوصول إلى أهدافها العدوانية بمنطقة الشرق الأوسط المشتعلة اليوم بانتفاضة القدس، ويتعمد البيت الأبيض تزييف الحقائق عنها بإطلاق صفة الإرهاب على رامي الحجارة من الفلسطينيين، ووصف قتل إسرائيل للأطفال والنساء والشيوخ والشباب بهدف إبادة الشعب الفلسطيني بالدفاع عن النفس. وتعهد جورج بوش الابن وكذلك آل جور طوال حملتهما الانتخابية بالدعم غير المحدود لإسرائيل وتزيدا فيه حتى يرضيا إسرائيل ذات التأثير في الأصوات الانتخابية في أمريكا من خلال الدهلزة الصهيونية المالكة للأصوات اليهودية والقادرة على استقطاب الكثير من الأصوات، وأصبح عند جماهير الشعب العربي قناعة تامة بأن كلا الرجلين، عند وصول أحدهما الى السلطة سيناصر إسرائيل في عدوانها على حساب حقوق العرب مما جعل مفاضلة الدهلزة الصهيونية بينهما تستند إلى نظرة بعيدة، مبنية على خطة استراتيجية تستهدف وصول اليهود إلى الحكم المباشر لأمريكا بدخول جوزيف ليبرمان إلى البيت الأبيض في المرحلة الانتخابية القادمة أو بعد القادمة. أو ربما قبلهما، فينفرط العرف الدستوري الذي يمنع وصول اليهود إلى السلطة في أمريكا ويتوالى بعد ذلك دخول اليهود الأمريكان إلى البيت الأبيض، وهذا يجعلنا نقول بدون تردد، إذا وصل جورج بوش الابن بالانتخابات إلى سدة الحكم ودخل البيت الأبيض فتلك مصيبة، وإن فُوّز آل جور بالتزوير للانتخابات ووصل بالتعيين إلى سدة الحكم ودخل البيت الأبيض فالمصيبة أعظم.

تزوير الانتخابات الأمريكية حقيقة ثابتة سواء وصل الجمهوري جورج بوش الابن أو الديمقراطي آل جور إلى السلطة، أو اذا اتخذت المحكمة العليا في فلوريدا موقفا يفرض استمرار الصراع بينهما، وعن هذا الصراع القائم والمتوقع استمراره قال الرئيس الأمريكي «البطة الخشبية» بيل كلينتون مازحاً.. انه على استعداد للاستمرار بالسلطة حتى يستطيع الشعب الأمريكي اختيار رئيسه الجديد، وهو مزح ثقيل فيه استهجان بالشعب الأمريكي الذي عُجز بالتزوير في الانتخابات عن اختيار رئيسه حتى الآن، ولم يأت هذا القول اعتباطاً إنما جاء توظيفاً لسابقة تاريخية تمثلت في عجز الشعب الأمريكي عن اختيار رئيس جديد لأمريكا في زمن الحرب العالمية الثانية، فبقي الرئيس هاري ترومان بالتزكية رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية لفترة ثالثة.

لم يتقبل حاكم ولاية مونتانا هذا المزح الذي وصفه بالسخف، وأعلن أن تزوير الانتخابات يحط من قدر أمريكا ويمثل وصمة عار في جبين الديمقراطية الغربية التي يُطالب البيت الأبيض بسيادتها وانتشارها بين الأمم، لتلغي تزين الأنظمة الديكتاتورية بالديمقراطية، لكن ما حدث في الانتخابات، حوّل الديمقراطية إلى مسلك ديكتاتوري، لا يختلف عن ما هو سائد في دول أمريكا اللاتينية باقتتال الناس في الشوارع على الحكم دون أن يعبأوا بنتائج الانتخابات، وهو لا يختلف عن اقتتال أنصار الحزبين الجمهوري والديمقراطي على السلطة في أمريكا عبر شاشات التلفزيون بعد ظهور نتيجة الانتخابات واعتراف آل جور بالهزيمة وتهنئته لجورج بوش الابن بالفوز ثم تراجع عنها بتلقيه مكالمة هاتفية من مديرة حملته الانتخابية دونا برازيل التي أوعز لها أحد مساعديه مايكل فيلدمان بأن الحفلة الانتخابية لم تنته، وأن هناك مجالا لفوزه بالسلطة ودخوله البيت الأبيض.

لم يكن من الصدفة تلازم هذا التراجع عن الهزيمة مع ما أذيع من المحطة الفضائية الـ «سي ان ان» بأن فوز المرشح الجمهوري جورج بوش الابن مصطنع وغير حقيقي لأن اليهود وأنصارهم أعطوا كل أصواتهم للمرشح الديمقراطي آل جور، واضح أن الهدف من وراء هذه اللقاءات التي أجراها لاري كينج إثبات تزوير الانتخابات بالخطأ المتعمد في فرز الأصوات بولاية فلوريدا، والمطالبة بإعادة عملية الفرز يدويا لاكتساب مزيد من الوقت ليلملم الحزب الديمقراطي هزيمته والعمل على تحويلها إلى انتصار من خلال تدخل العنصر الشخصي في عملية الفرز اليدوي.

هذه الريبة في نتائج الانتخابات التي يحاول اليهود النفاذ منها لدعم جوزيف ليبرمان ليست مسلكاً جديداً في الانتخابات الأمريكية، إنما هي قضية معروفة إلى الدرجة التي جعلت جورج بوش الابن يعلن في المناظرة التلفزيونية مع آل جور عن شكره للمؤيدين له، ويطالب المعارضين بالامتناع عن إعطاء صوتهم لأكثر من مرة واحدة لخصمه الذي ينافسه في انتخابات الرئاسة ومطالبة المرشح الجمهوري جورج بوش الابن بعدم الازدواجية في إعطاء الأصوات تستند إلى وثائق تقرر بأن 47 ولاية من 50 ولاية أمريكية لا تطالب بمستندات تثبت شخصية الناخب أو الدائرة الانتخابية التي ينتمي إليها، حتى أصبح في مقدور الناخب أن يصوت أكثر من مرة في أكثر من دائرة في داخل أكثر من ولاية، بجانب استخدام أسماء الممتنعين عن التصويت من قبل غيرهم في الانتخابات بعد صدور نظام 1978الذي أقر عدم مساءلة الناخب عن الأسباب التي جعلته لا يشارك في الانتخابات.

تتحدث الوثائق أيضا عن محاولات وزارة العدل الأمريكية الفاشلة في إيجاد نظام يمنع الأحياء من استخدام أسماء الموتى في انتخابات الرئاسة الأمريكية بسبب استخدام أسمائهم في خارج الولاية التي ماتوا بها. وتوصلت وزارة العدل بالوثائق أيضا إلى وجود حراج لبيع الأصوات، يتراوح السعر للصوت في داخله ما بين 17 و20 دولارا أمريكيا، وتقدمت ولاية كاليفورنيا التي يقوم الحراج بها بمشروع قرار على المستوى الفيدرالي يطالب بتحريم النخاسة السياسية، ورفضه الكونجرس لثلاث مرات لأن الأغلبية تريد الاستمرار في تزوير الانتخابات حتى تضمن بقاءها في الكونجرس.

يخطئ من يظن أن ما يحدث من تزوير في الانتخابات بولاية فلوريدا اليوم يمثل ظاهرة جديدة، لأنه حدث في ولاية فلوريدا نفسها قبل 40 سنة بين المرشح الديمقراطي جون كيندي الذي كان شعاره «الحدود الجديدة» وبين المرشح الجمهوري ريتشارد نيكسون الذي كان شعاره «أيها الأمريكيون الرائعون» وأوحى للدهلزة الصهيونية بأن الشعار الجمهوري يقصد به اليهود الأمريكيين بينما أنصار الديمقراطي يرمي إلى وضع الحدود الجديدة لمنع نفوذ جماعات الضغط الصهيونية من التأثير في القرار السياسي الأمريكي، وبذل اليهود في عام 1960 جهوداً جبارة لاسقاط الفائز الديمقراطي جون كيندي، وتعيين الخاسر الجمهوري ريتشارد نيكسون بالتزوير في الانتخابات، غير أن «المافيا» استطاعت أن تقمع الدهلزة الصهيونية وتفرض الفوز بالرئاسة لمن تفوق في الانتخابات.

لا نستطيع أن نفصل اغتيال جون كيندي في دلاس بعد سنتين في عام 1962عن هذا التزوير في الانتخابات لأن اليهود أرادوا التخلص منه بعد أن تعذر عليهم إبعاده عن السلطة بالتزوير في الانتخابات، فلجأوا إلى اغتياله بواسطة لي هارفي ازوالد الذي قتله جاك روبي، وضاع دم جون كيندي هدراً بين اليهود الذين انقلبوا على رجلهم في عام 1960 ريتشارد نيكسون فأخرجوه من البيت الأبيض بفضيحة التنصت على الخصم لامتناعه عن مقابلة رئيسة الوزارة انذاك جولدا مائير أثناء هزيمة إسرائيل في سنة 1973مما يثبت دور اليهود في تزوير الانتخابات الأمريكية.