القصة الحقيقية!

TT

الانسان بطبعه مخلوق اجتماعي ولد ليعيش بين البشر، ولذلك عندما ظهرت رواية «روبنسون كروزو» للكاتب البريطاني دانيال ديفو، تعاطف القراء مع بطل الرواية الذي لم تكن قصة انعزاله على الجزيرة مجرد خيال روائي بل تم اقتباسها من واقعة حقيقية بطلها الكسندر سيلكريك. وهذه الرواية يقال انها اول رواية انجليزية استطاعت ان تحقق اعلى معدل مبيعات في سوق الكتاب في بريطانيا حتى وقتنا هذا.

تحكي الكاتبة ديانا سوهامي، في كتابها «جزيرة سيلكريك» القصة الواقعية التي تتعرض للحياة الصاخبة والمحفوفة بالمخاطر للبحارة على متن السفن التي تجوب البحار الجنوبية والتي انتهت احدى رحلاتها بانعزال «سيلكريك» بعيدا داخل جزيرة «جوان فيرناندز» التي تبعد 600 ميل عن شواطئ شيلي.

تلك الجزيرة العذراء تسكنها طيور بكافة اشكالها والوانها تبني اعشاشها في حرية فوق اشجار الصندل وتشعر بالامان والسكينة دون ان تخشى شيئا طالما انه لا وجود لانسان فوق الجزيرة، لذلك كان وجود سيلكريك وحيدا فوق ارض الجزيرة لا يمثل عذابا له فقط، بل يمثل عذابا لكل الحيوانات البحرية والسلاحف والطيور التي قام بذبحها، وكذلك الطبيعة التي قام بانتهاك حرماتها، ثم بقدوم الفئران والقطط والماعز لم تعد ارض الجزيرة سوى ارض عادية يحاول انسان البقاء عليها مهما كلفه ذلك من تدمير لمفردات الطبيعة النباتية والحيوانية.

قام سيلكريك برحلته عام 1703 في سفينة للقراصنة وكانت خطته ان يقوم بالابحار خلال مضيق ماجلان سعيا وراء نهب الموانئ الاسبانية، وفي اثناء الرحلة نفد الطعام واصبح قائد السفينة ومساعده في غاية القسوة والجشع لنهب كل ما تصل اليه ايديهما، وعندما عبر سيلكريك عن ضيقه من الحالة المزرية التي وصلت اليها الحياة على متن السفينة، القى به قائدها في تلك الجزيرة غير المأهولة، ومكث هناك لمدة اربع سنوات وأربعة اشهر، خلالها ظل يجابه الوحدة والخوف من المجهول، وكان دائم السؤال عما اذا كان يستطيع البقاء هكذا دون صحبة ويمكنه الاحتفاظ بعقله. وبالطبع لم تستطع الكاتبة ديانا سوهامي الإجابة على سؤاله لان «سيلكريك لم يترك خلفه اية مذكرات».

هذه الجزيرة التي تم تغيير اسمها بعد ذلك الى جزيرة «روبنسون كروزو» تمثل للكاتبة ديانا سوهامي رمزا لما لاقته من حرب وتدمير على يد واحد من البشر. وفي رأي الكاتبة ان القارئ سوف يجد متعة كبيرة اذا قرأ كتابها عن سيلكريك وايضا كتاب دانيال ديفو عن «روبنسون كروزو» الذي استطاع ان يصلح من نفسه طوال فترة اقامته بالجزيرة، وعندما عاد الى انجلترا عاد رجلا افضل، وبالمثل سيلكريك الذي تعلم الكثير من حياة الوحدة بالجزيرة واصلح الكثير من نقاط الضعف في شخصيته، لكنه لم يستطع الاقلاع عن ادمانه الخمر وانتهت حياته في حانة.