يا آيس كريم، يا موحد الأديان

TT

احتفل العالم المسيحي في الغرب بالأمس بيوم الكرسمس، او يوم ميلاد المسيح عليه السلام عند الغربيين. وهو يوم من المعتاد له في عالمهم ان يثير الكثير من التأمل بالله والأيمان والأديان. ويواجه المغتربون المسلمون شيئا من الإشكال في هذه المناسبة بالنسبة لأولادهم. كيف يتصرفون في هذه الزوبعة الأحتفالية التي تجتاح محيطهم، في المدرسة، في الشارع، في الأسواق، في كل مكان.

وكالعادة القى رئيس الكنيسة الأنكليكانية، الكنيسة الرئيسية في العالم الأنكلوسكسوني، كلمات في هذه المناسبة تؤكد على روحية الدين ووحدة بني الانسان. قبلها اثار رئيس الطائفة اليهودية عاصفة من الاحتجاجات بين المتطرفين من اتباعه عندما صرح بأن كل هذه الأديان المختلفة هي في الواقع من وحي الله تعالى اوحى بها لكل امة حسب لغتها وظروفها.

هذه فكرة طالما راودت الكثير من الإنسانيين. تجسمت بصورة خاصة في فلسفة غاندي الذي صرح بأن كل الأديان على حق.

تصادف وانا امر بهذا الموسم الروحي ان قرأت رواية الكاتب الكندي يان مارتل التي حازت جائزة البوكرز لهذا العام. تحكي هذه الرواية الفلسفية «حياة بي» حكاية الصبي الهندي الذي تأثر بأفكار غاندي فآمن بالهندوسية والاسلام والمسيحية وطفق يحاول ان يعيش حياته كمسلم مسيحي هندوسي. اعطى هذا طبعا المؤلف فرصا متواصلة لمداعبة القارئ بمشاهد كوميدية مسلية وفلسفية بعين الوقت عززت متعة الرواية وعمقت حكمتها.

يتردد الصبي بي على امام المسجد فيتلقى منه تعاليم الإسلام ثم ينتقل الى الكنيسة ليستمع الى وعظ القس فيها ويعود ليلتقي بالبانديت الهندوسي يكلمه عن فرائض هذه الديانة. لا احد منهم يعرف بالآخر، ولكنهم يلتقون صدفة عندما يواجهون عائلة بي اثناء تفسحهم على الكورنيش. يدعي كل من هؤلاء الكهان الثلاثة، الذين يسميهم المؤلف بالحكماء الثلاثة، تماشيا مع حكاية ولادة السيد المسيح والحكماء الثلاثة الذين جاءوا ليتبركوا به، بأن بي من اتباعه. يتخاصمون عليه، خصاما يجرهم الى مجادلة فلسفية بأحقية دين كل منهم. الامام يعير البانديت بأن اتباعه يؤمنون بأكثر من اله واحد. فيرد عليه البانديت بأن اتباع الأمام يتزوجون بأكثر من زوجة واحدة. ثم يدخل القس بالمناقشة فيتحدى الأمام بأن يذكر له معجزة واحدة حققها نبي الاسلام تضاهي ما قام به المسيح من احياء الموتى وابراء المرضى والتكلم في المهد صبيا. يرد عليه الأمام بأن معجزات الاسلام التي يشير اليها القرآن الكريم لا ترتبط بحياة شخص وانما بحياة العالم، بخلق الله للكون والإنسان والحيوان وما جرى عبر القرون.

طبعا لا ينتهي الحكماء الثلاثة الى أي نتيجة او يتفقون على أي شيء، ولكن والد الصبي بي يقطع النقاش بأن يسألهم فيما اذا كانوا راغبين بأكلة آيس كريم، فيهزون رؤوسهم ايجابا، فيذهب الى البائع ويأتي كل واحد منهم بكارتونة آيس كريم، فيأكلونها متلذذين شاكرين. الآيس كريم هو الشيء الوحيد الذي يوحد البشرية. ايمكننا اعتبار ذلك اشارة من المؤلف الى جدوى العولمة التجارية وتحويلها الى عولمة الدين؟

بيد ان المشكلة تبقى مع الوالدة كالعادة. فبي يريد منها يوما ان تأخذه للكنيسة للتعميد وفي طريقهما يسألها ان تشتري له سجادة يصلي عليها. وعندما تناقشه وتقول له قرر يا ولدي أي ديانة تريد ان تتبع يقول لها هكذا قال بابا غاندي كل الأديان حق. بابا غاندي؟ غدا ستقول عمي عيسى وبعدها خالي محمد!! يقول لها، ولم لا؟ جارنا باتيل عنده جنسيتان هندية وفرنسية، لم لا يكون عندي ثلاثة اديان، اسلام ومسيحية وهندوسية؟

سنجيبه على هذا السؤال عندما نتخلص من مشكلة السنة والشيعة.