صيف 2003 قد يأتي قبل شتائه

TT

حتى أسابيع قليلة مضت، كان من الممكن الظن بأن الضغط الاميركي في قضية العراق، قد ينتهي بدون حرب عسكرية. بمعنى آخر كانت هناك فرصة لنجاح التكتيك البريطاني المزدوج، الذي ساهم من جهة في تأييد التهييج الاميركي حتى يستطيع توجيهه، ومن جهة اخرى اراد عبر ذاك التهييج دفع العراق لتقديم التنازلات المطلوبة بدون حرب. اليوم تبدو الامور وقد افلتت من قدرة بريطانيا واوروبا على التأثير في السياسة الاميركية، التي تحركها على ما يبدو رغبات السيطرة على النفط، وخدمة الاهداف الاسرائيلية في المنطقة، وتتخذ من العراق ومن شعار الحرب على الارهاب ذرائع لتلك الغاية.

ملامح هذا التغير تبدو جلية في الكثير من المستجدات اليومية ومنها: تعامل واشنطن مع المعلومات التي قدمها العراق للامم المتحدة، وحجبت الادارة الاميركية ثلاثة ارباعها عن أعضاء مجلس الامن غير الدائمين، بحجة وجود معلومات عراقية خطيرة قد تفيد البعض في بناء اسلحة تدمير شامل! كما تبدو ملامح التغيير في عمليات الاستعداد للمعارك العسكرية من استنفار للقوات وارسال للمعدات والتدريبات العملياتية حول العراق وتجهيز الرأي العام الغربي والجبهات الداخلية خصوصاً في بريطانيا والولايات المتحدة، اللتين تعيشان حالة استنفار وكأن الحرب والعمليات الارهابية ستحل غداً. وهناك ايضاً محاولة تنشيط عملية السلام الفلسطينية ـ الاسرائيلية عبر الدعوة لمؤتمر في لندن الشهر القادم، لا يبدو ان هدفه ابعد من كسب بعض الرأي العام العربي مؤقتاً، كما ان التوقيت ذاته يشير لموعد المعارك العسكرية ضد بغداد، وهو على الارجح شهر فبراير.

بالاضافة الى ذلك، هناك الحملة الاميركية المتصاعدة ضد الدول العربية الاكثر تأثيرا على السياسة الاميركية، وذلك من أجل شل قدراتها على الرفض لسياسة الادارة الحالية. وعملياً لم تعد هناك دولة شرق اوسطية واحدة خارج نطاق الاجراءات الاميركية القائمة او المتوعدة، بداية من الحصار والتهديد حتى طريقة معاملة المواطنين عند زيارتهم للولايات المتحدة.

ان الدول العربية حكومات ومؤسسات وفي مقدمتها النظام العراقي طبعاً، غير بريئة من الممارسات الخاطئة او التقصير الذي اوصل الجميع الى هذه الدرجة من الخطورة. كذلك فالاصولية وتصرفاتها الغبية وتبنيها لكل عمليات الارهاب، اشعلت فتيل الازمة لتوريط الجميع فيها دون امتلاك الامة سلفاً لمقومات النصر. لكن ذلك اصبح شيئاً من الماضي القريب، وبالتالي فالاجدر هو البحث عن بقايا الفرص التي قد توقف هذا الهجوم الذي لن يتوقف عند التصدي لنظام الرئيس صدام سيئ الصيت... فهل توجد مثل هذه الفرص.. وما هي؟

لقد احسن النظام العراقي تصرفاً في تجاوبه مع قرارات الامم المتحدة حتى الان، وكان من الجيد مواصلة المناورات السياسية تصدياً للعنجهية الاميركية، واخرها مناورة استدعاء المخابرات المركزية الاميركية للتفتيش في العراق، وذلك لافشال كل تهم واشنطن بوجود اسلحة دمار شامل في العراق. وكان رئيس المفتشين قد اتهم واشنطن باخفاء معلومات عن المفتشين تقول انها بحوزتها. هكذا، فدعوة العراق للمخابرات الاميركية تشل كل الحملة التضليلية وتضع المخطط الاميركي العدواني بعيداً عن قرارات الامم المتحدة. لكن هذه المناورة الجيدة سوف تطمئن المهاجمين لعدم وجود أي رادع تكتيكي عسكري لدى العراق سوى الاسلحة التقليدية، وبالتالي فإنها لن توقف العدوان.

ان المطلوب، ضمن امور اخرى، هو التحضير والعمل المسبق لايقاع اكبر خسائر ممكنة في المهاجمين من العسكر، حيث انه اذا شعر اصحاب القرار ان خسائر بشرية تنتظر مغامرتهم فإنهم لن يقدموا عليها كونها غير ملحة بالنسبة لمخططاتهم، ولان الخسائر البشرية الذاتية ستنهي حكمهم فوراً. وفي هذا الصدد من المهم جداً ان يطلق النظام العراقي الآن تأكيدات حاسمة بأنه لن يلجأ لاية عمليات ارهابية او يشجع مثلها ضد المدنيين في الدول المعتدية. مثل تلك العمليات ستكون مبرراً لاحقاً للحرب ولن تغير في نتائجها او ملاحقها، بينما الاعلان الان عن معارضة أي «انتقام» ارهابي ضد المدنيين سوف يحرك الجبهات الداخلية في الدول المعتدية لمنع الحرب قبل وقوعها.

من الواضح ان هناك ثلاث دول عربية خليجية على استعداد للمشاركة في الحرب، وقدمت اراضيها كقواعد لشن العدوان، وذلك في مخالفة صريحة لقرارات القمم العربية. ومن الطبيعي ان تلتزم الجامعة العربية ومؤسسة مؤتمرات القمة بمقرراتها وتطلق تحذيراً مسبقاً بعزل أي دولة عربية تخالف الاجماع في قضية كهذه، تماماً كما تم عزل العراق بسبب غزوه للكويت. دعم تحالف دولي بقرار من الامم المتحدة في حرب لتحرير دولة محتلة يختلف تماماً عن مشاركة اميركا في حرب عدوانية انفرادية لخدمة تطلعات اسرائيل في المنطقة. علينا تذكر ان المخابرات والقوات الخاصة الاسرائيلية توجد الان في اراضي العراق مع نظيرتها الاميركية.

الهدف الاساسي هو وقف الحرب حماية لارواح الابرياء وافشال المخطط اليميني الاميركي الاسرائيلي، وهذا لن يتم بدون اجراءات عراقية بالاضافة للمناورات السياسية والاعلامية. لن ينتهي التحرش بالعراق دون تغيير الرئيس صدام حسين، ولذلك فالاشرف ان يلتزم النظام بالدستور وبالمبادئ المدونة والاسس الديمقراطية ويعلن عن انتخابات رئاسية وبرلمانية حقيقية في العام الجديد، مع تأكيد ان صدام وكل اعضاء حكومته ومجلسه الشعبي لن يترشحوا لها كونهم اخذوا نصيبهم زمنياً من الحكم.

ان فكرة ضم العراق الى احد جيرانه العرب وتحت ادارتهم سياسياً، وبدون نظام الرئيس العراقي طبعاً، هي فكرة تستحق التأمل ايضاً كونها تقوي الدولتين، وتسرع في انهاء الازمة الانسانية للمواطنين العراقيين، وتشكل رداً مثالياً على مخططات إضعاف الامة العربية.

بالطبع يمكن لأمين عام الجامعة العربية ان يطرح مقترحاً مجدياً في تاريخ الجامعة واجره على الله، مثل مطالبة الدول العربية بإرسال قوات عسكرية وجهاز مدني لادارة العراق وضبط الامن فيه اثناء فترة انتقالية من ثلاث سنوات، ولكنه، كما عودنا لن يفعل هذا او حتى اقل منه.

اتعس ما يمكن ويتوقع من النظام العراقي عمله: ضرب المدنيين الغربيين قبل او بعد العدوان. ضرب أي بلد عربي مجاور، وهذا ما يهدد به قادة النظام الآن. او بالطبع، الرد على العدوان بضرب الاكراد او غيرهم داخل العراق بحجة ازالة خطرهم المستقبلي، وهذا ما يحاول الاعلام الغربي منذ ايام ايهام صدام بفعله. والأتعس هو الاستمرار في تقديم تنازلات لا نهاية لها على حساب العراق وشعبه ومستقبله من اجل بقاء صدام في الحكم.