الفساد قد يطيح شارون

TT

قد يخسر الليكود الانتخابات، أو قد لا يحقق الفوز المتوقع، لأسباب بعيدة عن السياسة والأمن، قد يخسرها بسبب الفضائح الاخلاقية والمالية التي بدأت تطال شارون وابنه عومري.

ولهذا السبب بالذات، أي الفضائح، يحاول شارون تصعيد الخطاب السياسي والأمني، املا في ان يغض الناخب الاسرائيلي النظر عن فضائح مافيا الليكود، وينشد «للخطر» الذي يحدق باسرائيل.

ليلة عيد الميلاد المجيد شهدت قمة هذه الديماغوجية والالاعيب اللااخلاقية عندما اجرت القناة الثانية في التلفزيون الاسرائيلي مقابلة مع شارون، حاول خلالها ان يبث الرعب في اوصال الاسرائيليين كي لا يركزوا انظارهم على فضائح الليكود وفضائحه هو وابنه عومري.

قام شارون يبث اكبر كذبة اقترفها حتى الآن. وكذب شارون لا يعد ولا يحصى ولو كان بيغن حيا لادلى بشهادته حول كذب شارون الذي ورطه في لبنان وجعله يعتزل الحياة السياسية للأبد.

ادعى شارون ان لديه معلومات غير مؤكدة، رغم انه استخدمها وكأنها مؤكدة وموثوقة، بأن العراق هرب اسلحته البيولوجية والكيميائية لسوريا حتى لا يعثر عليها المفتشون الدوليون. كما ادعى ان العراق يدرب فلسطينيين لاطلاق صواريخ، تحمل على الكتف، ضد الطائرات المدنية في مطار بن غوريون. وكعادته كرر الاسطوانة، التي اصبحت مملة حتى للمواطن الاسرائيلي، بأن ياسر عرفات هو المسؤول.

خلاصة اهداف شارون من هذه الاكاذيب، هي تحويل انظار الناخب الاسرائيلي بعيدا عن فضائح الليكود ورئيس الليكود، نحو خطر مرعب.

لكن هذه الاكاذيب لن تبقى طويلا دون تفنيد. وأول النفي لاكاذيب شارون جاء من رئيس الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية، الذي نفى ان تكون لتنظيم القاعدة خلايا في قطاع غزة موجها بذلك صفعة لرئيس الوزراء شارون الذي ادعى ذلك وحاول ان يربط بين السلطة الفلسطينية وتنظيم القاعدة، وشبه ياسر عرفات بأسامة بن لادن.

ولا شك لدي، في ان الادارة الاميركية ستستهزئ «دون ضجيج» من ادعاء شارون بأن العراق «هرب» اسلحة الدمار الشامل البيولوجية والكيميائية لسوريا. فهي تراقب عبر اقمار التجسس كل حركة داخل العراق ومن العراق للدول المحيطة».

أما عن «ابو العباس» وتدريب العراق لعناصر من تنظيمه ليضربوا طائرات مدنية في مطار بن غوريون، فهذه الكذبة تندرج ضمن لائحة طويلة من الاكاذيب درجت الحكومة الاسرائيلية على ترويجها لتبرير جرائم الحرب التي يرتكبها جيشها يوميا ضد الشعب الفلسطيني.

فبالأمس اعلن موفاز ان جيش الاحتلال اعتقل خلال الاسبوعين الماضيين ثمانمائة فلسطيني «بشبهة» أنهم كانوا يخططون «لارتكاب اعمال ارهابية ضد اسرائيل». لقد اعتقلت اسرائيل خلال العامين الماضيين اكثر «من مائة الف» فلسطيني اطلقت سراح اغلبيتهم بعد فترة وجيزة، وذلك تحت نفس البند بشبهة أنهم كانوا يخططون لارتكاب عمليات ارهابية.

لكن كما قلنا هذه الاكاذيب لن تتمكن من خداع الناخب الاسرائيلي، الذي ايقن ان شارون لم يحقق له الأمن، وأنه يقوده نحو حروب تدميرية.

ولقد خلق هذا لدى الاسرائيلي شعورا بالخوف من المستقبل وحول جنود جيش الاحتلال الى وحوش همجية تفترس المدنيين بسبب الرعب الداخلي والشعور بأن المستقبل ليس غامضا فقط، بل معتما.

الفضائح التي عصفت بالليكود، وستعصف به اكثر في ضوء ما يكشف كل يوم، اثرت منذ الان على الاصوات التي ستصب له في الانتخابات التي ستجرى في 28/1/2003. فالاستطلاعات الحالية بعد ظهور الفضائح تشير الى أن الليكود فقد خمسة مقاعد من المقاعد التي قدرتها الاستطلاعات في الانتخابات البرلمانية.

وتبرز الآن فضيحة لا تتصل بوزراء الليكود أو المرشحين على لائحته لخوض الانتخابات، بل فضيحة تمس رئيس الليكود، رئيس الوزراء شارون وابنه عومري.

لقد كشفت صحيفة «يديعوت احرونوت»، وهي اوسع الصحف الاسرائيلية انتشارا، وتعبر عن النهج اليميني بشكل عام، ان شارون وابنه عومري متورطان مع احد امراء العالم السفلي في اسرائيل. رجل اشتهر في اسرائيل بأنه مبتز، ودجال، ونصاب ولا يتحرج من القيام بأي عمل غير قانوني ان كان وراء ذلك العمل... «مال»، وحسب يديعوت احرونوت: تبين ان مقاولا ذا سوابق ومخالفات جنائية، تولى مسؤولية الأمن على المعابر البرية الاسرائيلية دون ان يفوز بمناقصة. ويدعى المقاول شلومي عوز، وهو من حزب الليكود، وتربطه صداقة شخصية مع عومري شارون، وعمل في الاشهر الاخيرة في الليكود من اجل تجنيد الاصوات لصالح شارون الاب والابن. ويشتبه في ان هناك علاقة بين هذا الدعم وبين الفوز بتلك الصفقة التي يبلغ حجمها اكثر من خمسين مليون دولار. ويتضح من التفاصيل التي نشرتها يديعوت احرونوت صاحبة السبق الصحافي، امس ان شلومي عوز، 44 عاما، هو من المجموعة التي يقودها حايم الفرون، احد المعدودين على العالم السفلي الذي اسماه رئيس حزب العمل، عمرام متسناع «مافيا على طريقة الليكود».

قبل تسع سنوات، ادين عوز بتهمة التهديد والابتزاز المالي بواسطة شركة الجباية التي قادها. لكن هذا لم يمنع استمرار عمله وثرائه المالي، واصبح اليوم من كبار رجال الاعمال. وانتسب عوز الى الليكود. وفي السنة الاخيرة، عشية الانتخابات الداخلية، تمكن من ادخال 10 الاف عضو لحزب الليكود فقط في مدينة واحدة هي رمات غان القريبة من تل ابيب. وكان هذا اكبر فرع للحزب بعد فرع القدس. وبذلك اصبح يسيطر على 50 عضوا في المجلس المركزي، قام بتجنيدهم لدعم عدد من المرشحين ابرزهم عومري شارون وشاؤول موفاز وزير الدفاع وروبي رفلين وسلفان شالوم وزير المالية، وهم من معسكر شارون وداني نافيه، الوزير بلا حقيبة، وتساحي هنغبي من معسكر بنيامين نتنياهو وزير الخارجية. وبرز دوره الى جانب شارون واضحا وفاعلا خلال التنافس على رئاسة الحزب. وقبل اسبوع اي بعد انتهائه من هذه المهمات حصلت شركة «تسيفت بطحون» (طاقم الأمن) على حق ادارة شؤون الحراسة والأمن في المعابر الحدودية البرية الاسرائيلية (على الحدود مع الأردن ومصر).

وشهوة شارون للمال لا توصف. فقد عمل، وهو جنرال في الجيش وهذا مخالف لقوانين الجيش والدولة في اسرائيل، لتدمير قرية بدوية عربية في النقب ليبتلع الأرض ويقيم عليها مزرعته الشهيرة. وبما ان شارون لم يكن يملك المال اللازم فقد خالف القوانين «ولم يسأله احد عن ذلك». فقط اتصل الجنرال شارون باحد المليونيرات اليهود الاميركيين واسمه ريكليس RIKLIS وطلب منه مبلغا كبيرا من المال لشراء تلك الاراضي العربية في النقب، والتي كانت السلطات الاسرائيلية تبدي استعدادا لبيعها بأسعار بخسة تشجيعا لاستثمار اموال اليهود في تلك المنطقة الشاسعة.

وقرر ريكليس ان يتجاوب مع شارون فساعده بمبلغ من المال، ثم وافق على اعطائه ضمانات بنكية ليستلف مبالغ اخرى (وهذا ايضا مخالف للقانون عسكريا ومدنيا). فخالف شارون كافة القوانين الاسرائيلية وارتكب اعمال الفساد وهيمنة على ارض تبلغ مساحتها تسعة الاف دونم (أي تسعة ملايين متر مربع تتضمن مساحة القرية العربية التي دمرتها بلدوزرات الجيش الذي كان شارون من بين جنرالاته) الأمر الوحيد الذي اثير حول هذه الصفقة هو السياج الذي اقامه شارون حول تلك القطعة الكبيرة من الأرض. فقد امر جنوده باستخدام الاسلاك الشائكة من مخازن الجيش لتسييج الارض التي صادرها. وعندما فاحت رائحة الفضيحة واثير الأمر قام ريكليس المليونير الاميركي (اليهودي) بتسديد ثمن الاسلاك التي نهبت من مخازن الجيش الاسرائيلي بأمر من جنراله (شارون). هذا نموذج من فساد شارون ولكن فساده الأكبر يكمن في شهيته التي لا نهاية لها للقتل وتعطشه لسفك الدماء. وهذا الأمر ليس موضوعنا الآن فالعالم اجمع يعرفه بغض النظر عنه ـ قصدا.

وهنالك معلومات كثيرة اخرى حول علاقة شارون مع رجال اعمال اسرائيليين «بسبب شهوته للمال والاحتلال» وسنتعرض لأمثلة اخرى في مواضيع لاحقه ـ لكن من الغريب، ونطرح السؤال الآن، ان يخرج مالك صحيفة معاريف، وهو ابن المليونير اليهودي الاسرائيلي يعقوب نمرودي، سالما من محاكمات معقدة (غاية في التعقيد)، بعد ان وجهت اليه اتهامات بالتنصت غير القانوني على المكالمات الهاتفية وبالقتل وغيرهما. وذلك بعد ان تبوأ شارون منصب رئيس الوزراء بوقت قليل.

شارون اعتمد ويعتمد على تمويل اثرياء اسرائيل لأعماله العامة والخاصة، ويبتزهم ابتزازا واضحا او يقايضهم مقايضة الصفقات.

يتحدث المسؤولون الاسرائيليون ومؤسساتهم عن ضرورة الاصلاح والتغيير في اجهزة السلطة الوطنية الفلسطينية ومؤسساتها، كون هذه الاجهزة والمؤسسات اهترأت بفعل الفساد وعدم وجود الشفافية والمحاسبة، وكون اجهزة الأمن بافرادها واسلحتها دخلت معترك الارهاب ضد الاسرائيليين. عظيم هذا الاتهام وقد يكون له اساس جاد وحقيقي. لكن حرص شارون على الفلسطينيين وامنهم وحماية املاكهم على ان يكون القضاء المستقل نصيرا لهم، لا ينسجم اطلاقا مع ما يفعله شارون ويرتكبه من جرائم جماعية ضد الشعب الفلسطيني برمته.

في الواقع لا ينسجم مع تدمير منازل المدنيين واقتلاع الاشجار التي يعتاشون منها وتدمير البنية التحتية التي تزودهم بالكهرباء والماء وخطوط الهاتف، وتدمير المصانع وتجريف المزارع وبناء الجدار العازل لملايين الامتار المربعة من الارض الفلسطينية الزراعية ومنع اصحابها من فلاحتها ـ وتدمير الآبار الارتوازية.

حقيقة ان آخر من يحق له التحدث عن الفساد هم شارون وباراك ونتنياهو، وغريب ان هؤلاء يرجمون الحجارة ويقصفون بدباباتهم بيوت الفلسطينيين وبيوتهم مصنوعة من زجاج.