المأساة الأفريقية

TT

تودع القارة الافريقية عام 2002 بهدير الحرب في الكوتديفوار. وقد حصر البشير بن يحمد صاحب دار «جون أفريك» المأساة الافوارية في التناقضات القائمة بين قادتها، الذين لم يهتدوا الى احداث تناغم في تضاريس تطلعاتهم الشخصية. وقال عن حق ان المشكلة لم تبدأ يوم 19 سبتمبر الماضي، بل بمجرد وفاة الرئيس المؤسس هوفويت بوانيي. فقد ترك خلفاء عديدين تحين كل واحد منهم أن يصل الى الحكم لكي ينفرد به. والحال أنه لا غني لأي منهم عن الآخر.

ان المشكلة تكمن في أن كونان بيدي الذي قضى وطره في فترة رئاسية سابقة لا يفكر في شيء آخر سوى أن يعود. بينما لوران قباقبو الرئيس الحالي لا يفكر في أن يخلي الكرسي عام .2005 أما ألسان واطارا المرغوب في ازاحته فهو لا يسلم في حصته

والقاسم المشترك بين الثلاثة هو أن كلا منهم ينتمي الى مجموعة عرقية. ولا أحد منهم له قامة سياسية ذات قبول وطني. وليس أمام أي واحد من الثلاثة سوى أن يسلم بأنه لا يمكن أن تستوي الأمور الا باتفاق مع نديه، ريثما يتمخض الجيل الحاضر عن مفاهيم أكثر قابلة للتعايش.

ونصح بن يحمد بوساطة افريقية، بدلا من التدخل الفرنسي، واقترح شخصية بعينها هو الرئيس السنغالي السابق عبده ضيوف لأن الرجل تجتمع فيه خصال مهمة أهمها أنه يضمر الحب لكوتديفوار ويعرفها جيدا، ثم انه سيحترم من لدن الجميع لأنه ليس طرفا، ولا تعرقل مساعيه مصلحة ذاتية، أو يمكن أن يحسب تدخله لفائدة أي جهة تذكر.

وتزيد أحداث الكوتديفوار صورة افريقيا قتامة، الى جانب ما يتردد عن القارة من سلبيات متنوعة. ففي التقرير السنوي عن التنمية البشرية لعام 2002 لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، لم يرد ذكر أفريقيا الا في أسوأ الخانات، وضمن أفجع الأمثلة لبلدان ضلت السبيل.

ان محور تقرير هذه السنة هو الديموقراطيا، انطلاقا من مسلمة، مفادها أن هذه هي المنطلق نحو كل تنمية بشرية يمكن أن تؤدي الى اشباع الحاجات الأساسية للانسان،

ويعتبر التقرير أن الديموقراطيا ما هي الا وسيلة لا غاية في حد ذاتها. والغاية هي أن يتوصل المرء الى أن يعيش أطول مدة، متمتعا بصحة جيدة، بعد أن يكون قد اكتسب معرفة نافعة، وأن يحصل على الموارد التي تمكنه من أن يعيش في مستوى يضمن له الكرامة، وأن يساهم في الحياة الجماعية.

وقد تعثرت الممارسة الديموقراطية في البلدان الافريقية، فكان ذلك سببا في اخفاق التنمية، وفي ذلك فقدان لفرص تحسين أوضاعها التعليمية والصحية.

فبعد ما هبت على افريقيا في آخر الثمانينات موجة التخلص من الأنظمة العسكرية والحزب الوحيد، أخذت الأنظمة الديموقراطية الفتية التي رأت النور تتخبط في مشاكل لا حصر لها، بينما عادت الديكتاتورية لتعشش من جديد في بلدان استنشقت أوكسجين الحرية لفترة لم تطل.

ويسجل التقرير أنه في سنة 1999 بلغ عدد الدول الافريقية التي أخذت بنظام سياسي يقوم على الانتخاب والتعددية، 29 بلدا من بين 42 بلدا تتوفر عنها معلومات بهذا الصدد. ويسكن البلدان التي توجد فيها أنظمة تقوم على الانتخاب 464 مليون نسمة. وهم يمثلون 77.2 في المائة من سكان بلدان جنوب الصحراء. ويبدو هذا الوضع أفضل مقارنة بالعالم العربي، ذاك أن نسبة السكان الذين يعيشون في بلدان عربية ذات نظام يقوم على الانتخابات لا تزيد على 48.5 في المائة (115 مليون نسمة)، لكن الذي حدث في افريقيا هو أن بلدانا اتجهت الى النظام الديموقراطي عرفت تراجعا، ويذكر منها التقرير زيمبابوي مثلا التي يمارس فيها الاقتراع، لانتخاب موغابي، ولكن الحريات فيها موضع سؤال.

وحينما تعرض التقرير الى تراجع الديموقراطيا في العالم يذكر أن 13 بلدا افريقياً تدخل فيها الجيش في الحياة السياسية منذ .1989 وذلك فضلا عن وقوع عدد من البلدان الافريقية فريسة الحروب الأهلية. وفي هذه الفئة من البلدان يطرح بحدة تأهيل محاربي الأمس ـ في البلدان التي خرجت من حروب أهلية ـ ليندمجوا في الحياة المدنية. ويذكر التقرير في هذا الصدد كلا من الكونغو وسيراليون وموزمبيق

وبخصوص هذا البلد الذي اجتاز حربا أهلية لمدة 16 عاما، يذكر التقرير أن 40 في المائة من المدارس قد تحطم أثناء الحرب، ونفس النسبة طالت المراكز الصحية. في حين أن الصناعة تكبدت خسائر فادحة، حيث أن المصانع تشتغل حاليا بـ20 في المائة من قدرتها الانتاجية وفي أفضل الحالات بـ40 في المائة من قدرتها. ويقدر التقرير أن البلاد فقدت بسبب ذلك حوالي 15 مليار دولار، وهذا المبلغ يمثل عدة أضعاف مجموع الدخل الوطني الخام حاليا في موزمبيق. ومن البلاد المنكوبة بالحروب الأهلية رواندا التي فقدت 500 ألف ضحية في الصدامات العرقية التي وقعت عام .1994

ونتيجة الحروب وتعثر الديموقراطيا توجد أغلب البلدان الافريقية في حالة اقتصادية مريعة. وهذه معطيات تهمنا لأن 17 بلدا من جنوب الصحراء هم اعضاء في منظمة المؤتمر الاسلامي.

ولم تعد القارة موضع تسابق فيما بين الدول الصناعية بل ترك كل منهم لغريمه ما بين يديه من مواد خام مضربا عن الاستثمار في المنطقة، بل ان نصيب افريقيا من المعونات الدولية جد ضئيل. ويقوم المغرب في الساحة الدولية بحملة من أجل اعفاء افريقيا من ديونها. وقام هو بدوره بالتنازل عن ديونه عليها ومنحها أفضلية في التعامل التجاري لتسهيل اقتناء منتجاتها.

ان الصعوبات التي تعاني منها افريقيا جنوب الصحراء تتمثل في أنها تحتضن أكبر كتلة من البلدان التي يعيش أغلب سكانها تحت عتبة الفقر. ولتحقيق الأهداف المحددة في هذا الصدد في أفق سنة 2015 توجد الأقطار الافريقية في أوضاع متباينة. وصنف التقرير السنوي المشار اليه الأقطار الافريقية الى خمسة أصناف. وأغلب البلدان الافريقية يقع في صنف البلدان التي تتعثر فيه بكيفية قاسية مخططات مواجهة الفقر، حتى أن التقرير يقدر أن البطء الراهن في وتيرة مواجهة الفقر في بعض البلدان يعني أن الأهداف المحددة لسنة 2015 تتطلب 130 سنة لتحقيقها.

ففي 23 بلدا من جنوب الصحراء، يوجد تخبط كبير في التنمية البشرية، وفي 11 بلدا آخر من بينها أنغولا ورواندا توجد ظروف أسوأ من غيرها. وفي 10 دول يتعرض 40 في المائة من الأطفال الى سوء التغذية، ويذكر التقرير كلا من اثيوبيا وايرتريا والنيجر

ان مستوى الفقر الأقصى في افريقيا جنوب الصحراء قد انتقل من 242 مليونا عام 1990 الى 330 مليونا في الوقت الحاضر. ويوجد 20 بلدا في حالة أسوأ مما كانت عليه 1990، ويوجد 23 بلدا لأفريقيا في حالة أسوأ مما كانت عليه عام .1975

ويذكر التقرير أن 75 في المائة من وفيات السيدا/الايدز سجلت في افريقيا. ويذكر كمثال صارخ لحالة الاستعجال بوتسوانا حيث ثلث السكان مصابون.

ولا يذكر التقرير الأرقام التي أعلنت في اللقاء العالمي الأخير في برشلونة حول السيدا الذي يأتي بأرقام أكثر جدة. وتستحق أرقام برشلونة الوقوف عندها لتقديم بعض التدقيقات.

ان أكثر الحالات استعجالا هي تلك التي يمثلها تفشي الآفة في البلدان الافريقية. وذكر تقرير الأمم المتحدة الذي نشر في الشهر الماضي بمناسبة لقاء برشلونة أن السنغال وأوغندا من البلدان التي يمكن القول انه من الممكن أن تتأتى فيها السيطرة على الحالة. أما في بوتسوانا فان 44.99 في المائة من الحوامل فيها مصابات بالداء. وكانت النسبة عام 1997 لا تتعدى 38.5 في المائة. وتوجد حالة مماثلة في زيمبابوي حيث انتقلت نسبة اصابة الحوامل من 29 في المائة عام 1997 الى 35 في المائة عام .2000 ونفس الاتجاه في ناميبيا من 26 في المائة (98) الى 29.69 في المائة. في سوايزيلاند من 30.39 (98) الى 32.39 في المائة. وفي افريقيا الجنوبية من 24.89 في المائة (98) الى 24.59 في المائة.

في كل هذه البلدان تتفاقم الآفة. واذا كان الداء لا يستثني بلدا من البلدان، فان بلدانا معينة أقل تعرضا، أو هي في طريق القضاء عليه، كما يقول تقرير برشلونة. ومن هذه الفئة بلدان إسلامية.

ففي مالي لا تتعدى نسبة الاصابة 1.7 في المائة. في الكاميرون انتقلت النسبة من 2 في المائة (98) الى 4 في المائة حاليا. وتبقى النسبة متواضعة في كل من بوركينا فاسو وكوتديفوار ونيجيريا والطوغو حيث بقيت النسب على حالها طيلة العقد الماضي

وهذه كلها بلدان ينتشر فيها الاسلام، أي تسودها قيم أخلاقية ترعى حرمة الأسرة وتحث على النظافة وتتحصن فيها الممارسة الجنسية.