صراع الديكة يتهدد مستقبل خاتمي

TT

كل الاجواء الداخلية في ايران تفيد بأن شيئا ما يعد له سيكون مفاجئا للكثيرين في حال اندلعت الحرب الاميركية ضد العراق.

ثمة من الاصلاحيين من يقول بأن «اعلان حالة الطوارئ» ستكون هي الخطوة المرتقبة للتخلص من السجال المحتدم حول العديد من القضايا الخلافية مع جماعة الاصلاح والتغيير، وحسمها بشكل نهائي لصالح المحافظين وفي طليعتها قضية لائحتي تعزيز صلاحيات الرئيس وتغيير قانون الانتخابات المقدمتين من قبل الحكومة للبرلمان.

فيما يقول آخرون جازمين، بأن من يحكم الآن في الحقيقة والواقع ليس سوى «حكومة الظل» غير المعلنة، المشكلة من العديد من رموز الاجهزة والسلطات المتعددة المضمونة الولاء اصلا للقيادة الدينية العليا، وغير المنخرطة في السجالات السياسية اليومية، بعد ان شعرت تلك القيادة بانه ليس من الطبيعي والمعقول ان تترك الامور «تسير هكذا على غير هدى» في ظل عالم خارجي مصمم على تغيير خارطة الشرق الاوسط باي ثمن كان في الاشهر المقبلة. هذا فيما تعتقد فئة ثالثة من المعتدلين في مطبخ صناعة القرار الايراني، بأن الوقت وان لم يكن بعد ليس بحاجة الى اعلان حالة طوارئ، لكنه بحاجة الى اعادة رسم خريطة النزاعات السياسية في البلاد بما يؤمن قيام «وفاق وطني شامل لمواجهة التحديات الخارجية» وهو امر تعتبره هذه الفئة الثالثة ممكنا من خلال ممارسة قدر كبير من العقلانية من جانب فئات «الاصلاح الاعتدالي واليمين العاقل» بهدف ابعاد المتطرفين من الجناحين عن المشهد السياسي اليومي.

ايا تكن صحة التقديرات التي تقدمها الجهات الثلاث تلك الا ان القدر المتيقن مما ذكر هو ان القيادة الدينية ـ السياسية العليا في ايران، التي تنظر بعين الريبة والقلق لما يعد للمنطقة انطلاقا من ملف العراق الشائك اقليميا ودوليا والمشتبك بالامن القومي للعديد من دول الجوار المعنية بشكل او بآخر بالمسألة العراقية، لم تعد تقبل البقاء متفرجة على سير الصراعات السياسية الداخلية بانتظار ما ستفرزه هذه السجالات والاحتكاكات من معادلة حكم جديدة في ظل تزايد خطر التدخل الخارجي المفتوح على اكثر من صعيد.

ان تكون اصلاحيا او محافظا اليوم، بات سيان لدى الاميركيين والاسرائيليين، بعد ان حسمت كل من واشنطن وتل ابيب امرهما بخصوص رغبتهما وارادتهما التي لا تقبل من ايران اقل من المواكبة والمواءمة لمجموعة سياستهما الخاصة، بما بات يعرف بـ «تحريم العراق ودمقرطة العالم العربي»!!

وسواء كانت ايران هي الهدف التالي بعد العراق، كما يقول قائد الحرس الثوري السابق وأحد زعماء اليمين المحافظ المعتدل محسن رضائي، او لم تكن كما يؤكد الناطق الرسمي باسم الخارجية الايرانية، الذي يحاول ان يرسم صورة موقف الاصلاحيين المعتدلين في حكومة الرئيس، فإن القدر المتيقن منه لدى صناع القرار الايراني، الذين يشكلون حصيلة سياسات الجناحين، هو ان شيئا ما خطيرا يعد للمنطقة عبر بوابة العراق، اقل التقديرات حوله تفيد بان امن واستقرار الدول المحيطة بالعراق، وكذلك ذات العلاقة المباشرة بأزمة الشرق الاوسط، سيكون مهددا في الصميم اذا لم تقدم هذه الدول مجتمعة، التسهيلات المطلوبة منها بخصوص الملف العراقي المفتوح على ابواب المجهول.

وتأتي التحركات العسكرية الاسرائيلية الميدانية وبالتعاون المباشر مع الخطط الحربية الاميركية من جهة، والتحركات السياسية الامنية لتل ابيب باتجاه انقرة من جهة ثانية، والتحركات والسياسات الاعلامية والاخرى المتعلقة بالحرب النفسية التي تشنها ماكينة شارون ضد سوريا ولبنان ومجموع الدول العربية والاسلامية صاحبة الشأن في الملف الفلسطيني من جهة ثالثة، ليؤكد جميعها ان في الافق ما هو ابعد من مجرد ضرب العراق واسقاط حكومة صدام حسين او نزع اسلحة الدمار الشامل!

في ظل مثل هذه الاوضاع وتقديرات الموقف المتحفزة تجاه التحدي الخارجي، يمكن فهم اسباب سحب ملف اغاجري من التداول السياسي اليومي؟ ولماذا تتم المطالبة بسحب او تجميد لائحتي تعزيز صلاحيات الرئيس وتغيير قانون الانتخابات؟ ولماذا تنهار اسطورة عباس عبدي زعيم الجناح الراديكالي في حزب جبهة المشاركة الراديكالي في المحكمة؟ فيظهر نادما على مواقفه السابقة المنادية بضرورة الخروج على النظام وتقديم المعلومات الخاصة بالامن القومي الايراني الى مراكز دراسات اميركية مثل معهد غالوب وغيره، مقرا بخطأ تقديره غير الدقيق للموقف تجاه الاميركيين، كما جاء في تصريحات صحفية له اثناء محاكمته العلنية ولرفاقه في مؤسسة المستقبل لاستطلاعات الرأي التي يرأسها.

في هذه الاثناء يبقى الخوف على الرئيس محمد خاتمي ساري المفعول باعتباره صمام الامان الوحيد المتبقي امام تكتل الاصلاح والتغيير، بعد ان بات الرقم الوحيد المضطر لدفع الثمن من صدقيته سواء قبل تراجع الاصلاحيين عن بعض طروحاتهم او تقدم المحافظين حفاظا على الامن القومي والمصلحة العامة للبلاد وسواء جاء ارتكاب الحماقة من اقصى الاصلاح المتطرف المتدثر بعباءته او اقصى اليمين المتطرف المتدثر بعباءة القيادة الدينية العليا في البلاد.

ذلك ان حماقة معينة من هذه الجهة او تلك يمكن ان تطيح بحكومة خاتمي ويذهب الرجل «فرق عملة» في معادلة صراع الديكة!