الفتى بطلا

TT

حصدت رواية «هاري بوتر» كل رقم خيالي، في عالم الكتب وعالم السينما سواء. وقد قرأت الجزء الاول من «هاري بوتر» بدافع الفضول المهني، وشعرت انني خضعت مثل سواي لصناعة الترويج. ولكن «هاري بوتر» استمر في اجزائه التالية يجتذب الملايين من الناس، على نحو غير مألوف، منذ فيلم «ذهب مع الريح» قبل ستة عقود. وقد ذهبت قبل ايام مع ابنتي لحضور جديد «هاري بوتر»، ولاحظت ان معظم الحضور في مثل سنها. وكان واضحاً ان احداً من جمهور العرض لم يكن مهتماً او معنياً بمعرفة اسباب النجاح بقدر ما كان معنياً بعمل ناجح ومثير.

لكنني اعتقد ان سرَّ «هاري بوتر» المكلف من مؤلفته جوان رولينغ انقاذ العالم من الشر، هو ان هاري بوتر فتى وليس شاباً قوياً ومكتملاً. فلا جديد في الواقع سوى عالم «هاري بوتر»، اما فكرة الولد والعملاق فهي من ايام داوود وغوليات. وعندما طرح الفلسطينيون الانتفاضة الاولى، توسلوا بالذات هذه الفكرة التي استخدمها الاسرائيليون في حرب 1967 لكي يشيعوا فكرة انتصار دولة صغيرة على مجموعة من الدول الاكبر منها. ان «هاري بوتر» غير جيمس بوند العميل البريطاني السري الذي يستطيع الحؤول دون «غولد فينغر» الشرير ومشروعه لتدمير العالم. وانما هو فتى اعزل يقف في وجه الديكتاتور الذي تعطيه المؤلفة ملامح هتلر وتعطي اسلوبه واحلامه طابع النازية. فالديكتاتور الذي قتل والدي هاري بوتر كان ايضاً يسعى الى السيطرة على العالم اجمع، كما كان يريد ان يسيطر على هذا العالم امثاله من اصحاب العرق الصافي، كما في تمجيد هتلر العنصر الجرماني. لا شك ان الرواية مبنية على معرفة رولينغ السياسية، وعلى امثولات ونتائج الحرب العالمية الثانية، وان يكن الصراع بين الخير والشر من عمر البشرية.

الامل، طبعاً، في الشبان، فهؤلاء دائماً من نرسل الى الحروب والجبهات. ولذلك فإن هاري بوتر هو البطل ومن خلفه رجل كبير يتولى الرعاية والتوجيه. وفي اي حال اصابت المؤلفة البريطانية الشابة عشرات الملايين من الارباح بسبب يفاع بطلها ونظارتيه اللتين تصوران تلميذاً مجتهداً ونقياً.

من دون بعد سياسي، كان يمكن لهاري بوتر ان يظل مجرد قصة للاطفال. لكنه فتى ذو مهمة عامة ونبيلة. وعندما نعطي اشياءنا في الحياة الطابع العام تتغير طبيعتها ايضاً. «فالمرض» الفردي يصبح «وباء» اذا اصاب الجماعة، او اصبح خطراً عاماً. والقتل يصبح «اغتيالاً» اذا حدث لشخصية معروفة او مسؤولة. وعندما حاول رجل الثأر من احد اقربائه في وزارة العدل اللبنانية قبل سنوات، كانت تلك «محاولة قتل» اما عندما اعتدى رجل على احد القضاة الاسبوع الماضي، فقد كانت تلك «محاولة اغتيال»، وتضع الصحف عمليات الاغتيال في صدر صفحاتها الاولى، فيما تفرد للجريمة العادية واحداث الاعتداءات «باب المتفرقات».

يبحث العالم منذ الخليقة عن نموذج للخير يحارب به الشر الذي يميز طبيعة الانسان، بلا نهاية ولا حدود. وكان الاغارقة قد جعلوا «الها» لكل نزعة بشرية وراحوا ينتظرون ان ينتصر الواحد على الآخر. وفي العصور الحديثة بحث الانسان عن منقذ او عن بطل يرفع عنه الضيم وينقذه من الظلم ويحرره من الطغيان الواقع عليه. لكن الغريب في نجاح هاري بوتر و«غرفة الاسرار» ان شخصيته لا تمثل الحياة في الغرب اليوم، حيث لا ديكتاتوريات ولا خوف من الحروب في القارة ولا شيء سوى رمزيات الحرب العالمية الثانية. لكن الخوف طبيعة بشرية في اي مكان. وكثرته تجعل الامل معلقاً في الفتيان، في الجيل المقبل الذي سوف يحرر الناس من اعباء وضغائن الجيل السابق.