لماذا يكره العالم أمريكا

TT

هذا سؤال طالما يطرحه سكان الولايات المتحدة. يقولون انهم رغم كل المساعدات الخارجية التي يقدمونها وقيامهم بدور الشرطي في توطيد الأمن وحل الأزمات، لا يتلقون من العالم أي شكر او تقدير. لا بل العكس، يتلقون الكره والسخرية والمقاومة.

آن لي ان اقول شيئا بهذا الخصوص، لاسيما بعد ان اخذت ارحب بدور الوصاية التي اخذت تقوم به واشنطن بشأن كل هذه الدول التعيسة الحظ والسيئة الحكم والمجنونة القيادة.

لا، لا اريد ان اشير الى الدور المشين التي لعبته وما زالت تلعبه بشأن المسألة الفلسطينية. هذه حكاية لا يحتاج فيها المواطن العربي لمن يذكره. ولكن في هذا الموسم الكرسمسي الذي يحتفل فيه العالم المسيحي بميلاد السيد المسيح عليه السلام، النبي الذي مد يده لإحياء الميت واشفاء العليل، خطت امريكا خطوة لا احسب احدا من كهنتها المسيحيين لا يشعر بالخجل والذنب تجاهها. ففي المفاوضات الي اجرتها منظمة الصحة العالمية في جنيف قبيل يوم ميلاد المسيح بأربعة ايام، رفض نائب رئيس الجمهورية الأمريكية دك شيني، المصادقة على اتفاقية رفع براءات الأكتشاف عن مجموعة من الأدوية التي تحتاجها الدول الفقيرة امس الحاجة لمعالجة ما تعاني منه من امراض مميتة. وبهذا يكون قد قضى على امل هذه الدول بأنتاج هذه الأدوية محليا بكلفة زهيدة تجعلها في متناول الفقراء. لماذا فعل ذلك؟ لأن الصناعات الصيدلانية في الولايات المتحدة تريد ان تواصل احتكار هذه الأدوية وبالتالي بيعها لفقراء العالم الثالث بالأسعار التي تفرضها. واستجاب شيني لضغطها، خوفا من قطع الدعم له في أي انتخابات جديدة. الديمقراطية الغربية في اوسخ اشكالها! وهي طبعا الديمقراطية التي تريد ان تبيعها لنا. لا توجد براءة اختراع هنا. سيبيعونها لنا ببلاش.

الصناعات الصيدلانية تبرر هذا الموقف بقولها انها تنفق الملايين سنويا على الأبحاث وتطوير الدواء ولا بد ان تجني شيئا من نتائج عملها والا توقفت عن اكتشاف الأدوية. كلام معقول. ولكن الآخرين يقولون ان الأسعارالتي تباع بها هذه الأدوية تجعل الفقير غير قادرعلى شرائها بأي حال. ينطبق ذلك بصورة خاصة على ادوية الأيدز المكلفة. انتاجها محليا لا يطرد أي دواء مستورد لا يشتريه غير القلة من المتمكنين. الأبحاث الطبية موضوع خطير يتوقف عليه مصير البشرية، بل وصحة الأسواق العالمية لما لصحة البشر من اثرعلى الأقتصاد. لا يمكن ان يعلق موضوع خطير كهذا على حسابات الربح والخسارة للشركات. والمفروض في الحكومة الأمريكية وكل الحكومات ان تخصص ما تقتضيه هذه الأبحاث من تعويضات.

ذنوب امريكا كثيرة. لاسيما عندما نجدها وحيدة في معارضة شتى الخطوات الايجابية التي تهم البشرية، كتخفيض استهلاك الكاربون وشطب ديون الدول الفقيرة والمساعدات الأجنبية (الولايات المتحدة في الواقع تأتي في اسفل قائمة الدول المانحة حسب مقدار ما تمنحه بالنسبة لدخلها الاجمالي). وهي إن تقوم بدور الشرطي عالميا فإنما لحل مشاكل هي التي خلقتها، كما في افغانستان وفلسطين، والى حد ما في العراق. ولا شك ان من ازعج الظواهر الأمريكية ان تستقطب الولايات المتحدة مجانا ادمغة العلماء والأطباء والخبراء الأجانب الذين انفقت على تعليمهم الدول الفقيرة ملايين الدولارات لمجرد ان تخسرهم لأمريكا التي تستخدمهم في الأبحاث الطبية وتطوير الأدوية التي لا تستطيع دولهم التي ربتهم وعلمتهم واهلتهم الحصول عليها.

تتساءل امريكا لماذا يكرهها العالم. السؤال هو لماذا تكره امريكا العالم؟