2003: عام الحلول بالقوة في الشرق الأوسط

TT

فيما العالم يستعد لدخول عام 2003، تبدو منطقة الشرق الأوسط وكأنها تقف على فوهة بركان لا أحد يعلم بالضبط متى تتطاير حممه وتتلظّى دول المنطقة بنار شظاياه.

فالشرق الأوسط بات جزءاً من السباق المحموم بين «الحوار» و«الصدام» بين الحضارات، وجزءاً من السباق بين الحرب والسلم في العالم، وجزءاً من الحرب على الإرهاب، وجزءاً من مقاومة الاحتلال والاستبداد، وجزءاً من الصراع الدولي بين الشمال والجنوب على الثروات، ومنها ثروة النفط، وعلى الصفقات ومنها صفقات التسلح والتعمير.

ويبدو الشرق الاوسط امام مشهد بوجهين متلازمين: وجه الصراع العربي ـ الإسرائيلي وقضيته المركزية فلسطين، ووجه الحرب الاميركية على العراق وقضيتها المركزية المعلنة سلاح الدمار الشامل، في حين ان قضيتها هي فلسطين ايضاً.

ولا أرى ان سورية ولبنان هما في منأى عما يهدد المنطقة وما تعانيه من جراء المخططات التي ترسمها الدوائر الأميركية والإسرائيلية، وقد باتت هذه الدوائر متداخلة الى حد لا يصدقه عقل.

ويشهد العام المقبل مزيداً من هذه المخططات ومحاولات فرض الحلول بالقوة العسكرية. الولايات المتحدة تتذرّع بخطر العراق على أمنها القومي نتيجة امتلاكه المزعوم لأسلحة الدمار الشامل التي لم يعثر عليها المفتشون، وإسرائيل تتذرع بخطر العمليات الاستشهادية الفلسطينية على أمن سكانها، وهي تتجاهل حق الشعوب في الاستقلال وتقرير المصير.

وتشير التوقعات الى أن الحرب ضد العراق واقعة لا محالة عام 2003، وهي أصلاً تأجلت من عام 2002 الى عام 2003. كما اتوقع أن تعيد المنظمات المناوئة للولايات المتحدة تنظيم نفسها في محاولة لجرّ الأميركيين الى حرب في كل ارجاء المعمورة. ففي مواجهة المنطق الاميركي «بالحرب العالمية على الارهاب» تشن المنظمات المعادية للولايات المتحدة «حرب الارهاب في كل العالم».

إن «الحرب على الإرهاب» مستمرة، و«الحرب الارهابية» ضد الولايات المتحدة مستمرة بدورها، والحرب على العراق سوف تقع، وهي كانت ولا تزال تحتل الأولوية في روزنامة إدارة جورج بوش، وقد يسبقها أو يواكبها أو يعقبها عمل إرهابي ورد أميركي عليه، لكن واشنطن مصممة هذه المرة على ألا يحول أي حدث دون ضربها العراق .

وفيما الولايات المتحدة تخوض حربَيْها: واحدة ضد الإرهاب وأخرى ضد العراق، فإن إسرائيل تخوض حربَيْها: واحدة ضد السلطة الفلسطينية وأخرى ضد الانتفاضة الفلسطينية.

ومن المتوقع أن يفوز ارييل شارون في الانتخابات الاسرائيلية المرتقبة، وأن يبقى في السلطة على رأس حكومة يمينية متشددة غير مستعدة إطلاقاً للتفاوض مع الفلسطينيين، بل على العكس مستعدة لفرض حلولها عليهم بقوة الحديد والنار.

ومن المتوقع أيضاً أن يفوز ياسر عرفات بدوره في الانتخابات الفلسطينية، وأن يبقى على رأس السلطة الفلسطينية على الرغم من المحاولات الإسرائيلية الرامية الى إقصائه عنها. وسوف يبقى على رهانه في قيام حوار أميركي ـ فلسطيني مباشر معه من أجل قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.

في المقابل، لن تتوقف العمليات الاستشهادية طالما أن ليست في الأفق تسوية عادلة وشاملة، وسوف تواصل إسرائيل التذرع بألف حجة وحجة من أجل إطالة أمد احتلالها في فلسطين وسورية ولبنان.

في خضم هذه التطورات المرتقبة، تجهد سوريا لايجاد الصيغ والوسائل لتجنيب المنطقة ويلات الحرب والحؤول دون انتصار المخططات الاسرائيلية في المنطقة. وتندرج في هذا السياق الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس السوري بشار الاسد الى بريطانيا، والزيارة الخاطفة التي اتبعها الى فرنسا. فسوريا ترى انه من الغباء بمكان تقديم الذرائع المجانية لإسرائيل، والحرب على العراق هي جزء من هذه الذرائع المفترض تفويتها على إسرائيل والحيلولة دون ان تستفيد منها.

ولن تسلم سوريا من شظايا الحرب على العراق، إن لجهة استقبال النازحين العراقيين التي تتوقع التقديرات ان يتعدوا المليون ونصف المليون لاجئ، وإن لجهة الاتهامات التي توجهها لها إسرائيل، وآخرها ما تناقلته الصحافة عن نقل العراق سلاح الدمار الشامل الى سوريا.

واذا كانت مرحلة التحضير للحرب على العراق هي بحد ذاتها شديدة التعقيد والحسابات، فان نتائجها هي اكثر تعقيداً وتفوق كل الحسابات. فكل ما يحدث في العراق يصعب تحديد مساره وتداعياته بالنسبة لكل الاطراف المعنية، بما فيها سورية ولبنان، لا سيما اذا طالت العمليات العسكرية، او اذا دخل العراق حالة عدم استقرار سياسي وأمني، أو اذا تصادمت النظريات حول النظام البديل، سواء كان ملكياً او ديمقراطياً.

أضف الى ذلك، أن العراق تحت السيطرة الأميركية يعني البلد المحيّد عن الصراع العربي ـ الاسرائيلي. وليس هذا فحسب، بل سوف يتوقف دعم العراق المالي لعائلات ضحايا الانتفاضة الفلسطينية والعمليات الاستشهادية. ومن جهة أخرى، سوف يتسلل الإسرائيليون خلف الدبابات الأميركية الى بغداد، ومنها الى منطقة الخليج، مما سيتسبب في فوضى كبيرة بالمنطقة، لا سيما أن سوريا راهنت على دعم عربي وخليجي من أجل وقف تطبيع العلاقات مع إسرائيل ريثما تتحقق التسوية الشاملة للصراع العربي ـ الإسرائيلي.

ويخشى أن تفرض واشنطن على العراق بعد غزوه وعلى دول الخليج حالة تطبيع العلاقة مع إسرائيل. كما يخشى أن تسعى الى فرض تسوية قسرية على سوريا ولبنان لحل نزاعهما مع إسرائيل. فهل يكون عام 2003 هو عام فرض الحلول على المنطقة بالقوة العسكرية من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل أو من جانبهما معاً ؟

غير أني لا أظن ان الحلول العسكرية مجدية في الشرق الاوسط، لكن الاتجاه الى استخدامها بات واضحاً لدى واشنطن وتل أبيب في هذه المرحلة. ولا أظن ان العمليات «الارهابية» ستتراجع، خصوصاً ان تنظيم «القاعدة» ما زال نشطا. كما لا أظن ان عمليات المقاومة ستتوقف طالما ان إسرائيل لا تنسحب من الاراضي العربية المحتلة.

اتوقع ان تتحلى دمشق بأقصى الحذر لتفويت كل الفرص على تل أبيب للافادة من الحرب الاميركية على الارهاب وعلى العراق. أما لبنان فهو ممسوك امنياً على الرغم من كل المحاولات لزعزعته وهو متماسك سياسياً ولو بالحد الأدنى بعد توافق اهل الحكم فيما بينهم والاتجاه الى تشكيل حكومة جديدة تكون أوسع تمثيلاً واكثر فعالية . يبقى ان الحلقة الأضعف فيه هي الاقتصاد والمخاطر التي يمكن ان تهب من بوابة الأوضاع الاجتماعية المتردية جداً.

محاولات فرض الحلول بالقوة متوقعة، ولكن حظوظ فشلها او إفشالها اكبر بكثير من حظوظ النجاح فيها او إنجاحها.