يعادون المؤمنين بالمسيح ويحالفون الكافرين به!!

TT

لو أن ما يحدث في (بيت لحم) من عدوان صهيوني على رموز مسيحية، ومن حصار لكنيسة القيامة وصد عنها.. لو ان هذه الغرائب الطغيانية، جرى عشر معشارها على أيد عربية اسلامية، لشنت (حرب صليبية جديدة) على العالم الاسلامي.

فالحروب الصليبية القديمة، لم تستند الى حجة عقلية، ولا الى (وقائع مادية) على الارض، وانما اندلعت واستمرت بناء على (مزاعم) تدعي ان المسلمين منعوا المسيحيين من زيارة القدس وكنيسة القيامة، وهي مزاعم دحضها مؤرخون غربيون منصفون ثقات كثر.

مفارقات وغرائب وتناقضات تشق الرأس شقا: حروب صليبية طويلة ومريرة تنشب وتستمر بناء على مزاعم وأباطيل!!

ثم صمت مسيحي عام على عدوان حقيقي ماثل على (مقدسات) المسيحيين في بيت لحم، وفي مقدمتها كنيسة القيامة التي هي اول كنيسة مسيحية على الارض!! ولئن انبعثت همهمات مسيحية خافتة فهذا دليل ـ كذلك ـ على الموقف الغريب العجيب المريب، اذ السؤال الباده الجابه هو: ولماذا الهمهمة والغمغمة والتأتأة والخفر بازاء قضية تتعلق بعقيدة المسيحيين وعبادتهم وحريتهم الدينية؟!

هذا امر إدّ.

ومثله: ان طوائف مسيحية (متسيسة) تعادي الذين يؤمنون بالمسيح، وتتحالف مع الذين يكفرون به!!:

1 ـ أما المؤمنون بالمسيح ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهم المسلمون:

أ ـ فالمسلمون يؤمنون بأن عيسى عليه السلام رسول جليل من أولي العزم من الرسل كان يهدي بالحق، وبه يعدل.. وهذا النبي الكريم العظيم ليس هو نبي المسلمين المباشر، اذ يفصل بينه وبينهم اكثر من الفي عام وهذه فواصل زمنية هائلة لم تمنع المسلمين المعاصرين من تصديق المسيح، والايمان به، ومحبته واجلاله وموالاته.. لماذا؟.. لأن المسلمين يؤمنون بـ (الحق كله) ويعظمون رواده وحملته والداعين اليه عبر الزمان كله والمكان كله.. وهذه حكمة من أعظم حكم القرآن في الاحتفاء بأنباء المرسلين السابقين، وتعظيم رسالاتهم ودعواتهم.. وفي طليعة هؤلاء المصطفين الأخيار: سيدنا عيسى ابن مريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الأولين والآخرين.

ب ـ والمسلمون يؤمنون بمعجزة (الحمل): حمل مريم الطاهرة البتول بالمسيح عليه السلام: «واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً. فاتخذت من دونهم حجاباً فأرسلنا اليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً. قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً. قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً. قالت أنَّى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغياً. قال كذلك قال ربك هو عليّ هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمراً مقضياً».

جـ ـ والمسلمون يؤمنون بمعجزة (الميلاد): ميلاد المسيح عيسى ابن مريم: «فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً. يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغياً. فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً. قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً. وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً. والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً».

د ـ والمسلمون يؤمنون بمعجزة (رسالة المسيح) وهي المعجزة التي نبأنا بها القرآن ودعانا الى الايمان المطلق بها: «إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلاً وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير فتنفخ فيه فتكون طيراً بإذني وتبرئ الأكمة والأبرص بإذني وإذ تُخْرِجُ الموتى بإذني».

هـ ـ والمسلمون يؤمنون بـ (الانجيل) الذي تنزل على المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام:

ـ «نزل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان».

ـ «وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقاً لما بين يديه من التوراة وآتيناه الانجيل فيه هدى ونور ومصدقاً لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين».

و ـ والمسلمون يؤمنون بمجيء المسيح عيسى ابن مريم وبعودته.. حدثنا أخوه الصادق المصدوق محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: «وإني أولى الناس بعيسى ابن مريم، لأنه لم يكن نبي بيني وبينه، وانه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه، رجل مربوع الى الخمرة والبياض، عليه ثوبان محصران، كأن رأسه يقطر، وإن لم يصبه بلل، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويدعو الناس الى الاسلام، ويهلك في زمانه الملل كلها إلا الاسلام، ويهلك في زمانه المسيح الدجال، ثم تقع الأمَنَةُ على الأرض حتى ترتع الاسود مع الإبل، والنمار مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم، فيمكث اربعين سنة ثم يتوفى، ويصلي عليه المسلمون».

إن هذه المصادر التي توجب الايمان بالمسيح ـ صلى الله عليه وسلم ـ وان المسلمين الذين يؤمنون بهذه المصادر ويؤمنون ـ من ثم ـ بما توجبه من ايمان يقيني بالمسيح: نبيا رسولا.. ان هذه المصادر الاسلامية، وان المسلمين المؤمنين بها يتعرضون لعداوة ضارية من شرائح او دوائر مسيحية، بقيادة رجال دين، وسياسيين متعصبين، او ـ بتعبير أصح ـ بقيادة سياسيين في ثياب رجال دين، ورجال دين في ثياب سياسية. فلم يكد (شيء) أو امر اسلامي قد نجا من سبهم ولعنهم وقذفهم وتشويههم.. مثلا: في مناخ ايام اعياد ميلاد المسيح، اي في الوقت الذي كان ينبغي فيه: ان يوجه المسيحيون في العالم (تحية خاصة) للنبي محمد صلى الله عليه وسلم من حيث ان هذا النبي الوفي الأمين الصادق هو الذي قدم المسيح عليه السلام الى البشرية، في أجمل صورة، وأبهى سياق، وأحلى أسلوب.. وأي صورة أجمل وأبهى وأحلى من هذه الصورة لعيسى ابن مريم: «إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين. ويكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين».. وأي صورة أجمل وأبهى وأوضأ من هذه الصورة لأم المسيح: مريم ابنة عمران: الطاهرة المطهرة المصطفاة: «وإذا قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين».

لو كان التدين الصادق هو الباعث والحاكم، لسارع المسيحيون الى توجيه تحية واجبة الى النبي محمد بن عبد الله: وفاء لتقديمه للمسيح وامه في تينك الصورتين الجميلتين الوضيئتين. بيد ان العكس هو الذي حدث، ففي مناخ أعياد الميلاد: أقدمت صحيفة أمريكية على تقديم نبي الاسلام في صورة هازلة ساخرة: صورة رجل يقود شاحنة نووية ليدمر بها العمران: هناك او هنالك!!

إذن الحقيقة المرة تقول: ان طوائف او دوائر مسيحية قد احترفت معاداة الاسلام الذي يمجد المسيح، ومعاداة المسلمين الذين يؤمنون بالمسيح عليه السلام.

وتتضح المفارقات والغرائب والتناقضات ـ اكثر فأكثر ـ في المحور الثاني الرئيسي:

2 ـ في حين تعادي تلك الدوائر الاسلام والمسلمين، تحالف الذين يكفرون بالمسيح عليه السلام، ويقذفون أمه مريم البتول رضي الله عنها، وهم اليهود.

لقد افترى اليهود على مريم الطاهرة المصطفاة حين اتهموها في عرضها وشرفها: «وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً». وحين ابتعث الله المسيح بالرسالة: انقسم بنو اسرائيل الى طائفتين: طائفة آمنت بالمسيح ورسالته، وهم النصارى. وطائفة كفرت بالمسيح، وبما جاء به وهم اليهود الذين بقوا على يهوديتهم ولم يدخلوا في النصرانية: «يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين مَن أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة، فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين».. اما المسيح الذي يخدع اليهود كثيرا من النصارى بأنهم يؤمنون به ويستعدون لمجيئه، فهو مسيح (مختلف) عن المسيح عيسى ابن مريم الذي جاء من قبل، وسيعود في آخر الزمان.

والثالثة الدالة على معاداة اليهود للمسيح هي محاولتهم: قتل المسيح وصلبه، وهي محاولة ثابتة، لم ينفها القرآن، انما نفى انهم تمكنوا منه صلى الله عليه وسلم: «وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم».

ومحاولة القتل:

أولا: هي جريمة لها (سوابق) في الاجتراء على قتل انبياء الله: «ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق».

ثانيا: هي جريمة دفعهم اليها: ضيقهم الشديد بمواجهة المسيح لهم باخطائهم وانحرافاتهم وجحودهم:

أ ـ فقد واجه جحودهم وقال لهم بوضوح: «انكم لترفضون وصايا الرب لتحافظوا على تقاليدكم.. ان السبت خلق لمنفعة الانسان، ولم يخلق الانسان لمنفعة السبت ولا لخدمته».

ب ـ وواجههم بأنهم حولوا الدين الى طقوس وشكليات خالية من جوهر الدين وحقيقته: «تبا لكم ايها الكتبة والفريسيون ايها المراءون، يا من تدفعون العشور بالنعناع والشبت والكمون ثم تتركون ما هو أعظم من ذلك: الشريعة والاحكام والرحمة والايمان. وكان الأجدر بكم ان تفعلوا ما تركتموه، ولا تأتوا ما فعلتموه. أيها القادة العميان، يا من ترتعدون امام البعوضة، وتبتلعون الجمل. ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراءون. فأنتم تحرصون على ان يكون الكأس نظيفا في خارجه، ولا تهتمون بما في داخله من فسق ودعارة. ايها الفريسيون: نظفوا ما بداخل الكأس فيكون نقيا نظيفا كخارجه». ولهذا ضاقوا بالمسيح ايما ضيق، وخططوا لقتله.

والسؤال الاول ـ ها هنا ـ هو: ايهما اقرب الى المسيح ودينه، وايهما اعدل نظرة، واوفى إنصافا: نحن المسلمين الذين نؤمن بالمسيح ونحبه ونوقره، ونعظم أمه؟.. أم اليهود الذين افتروا على مريم، وحاولوا اغتيال المسيح، بعد ان رفضوا دعوته ولم يؤمنوا بما جاء به؟

اما السؤال الثاني فهو: لماذا ـ إذن ـ تنحاز دوائر من النصارى الى اليهود ضد الاسلام والمسلمين؟

الجواب يتركز في ان (الدين المسيحي) يتعرض لعملية (تسييس) كبرى من أجل تحقيق اهداف لا علاقة لها بالمسيح العظيم، ولا بديانته الجليلة.

فهل يتأمل عقلاء النصارى هذه المفارقات والتناقضات بمناسبة اعياد ميلاد المسيح صلى الله عليه وسلم.