هل يعقل هذا؟

TT

ندوات هامة ومفيدة تلك التي تعقد على هامش معرض الكتاب السنوي في الكويت، ولعل اهم هذه الندوات ما عقد الأسبوع الماضي بعنوان «التطرف الديني: الجذور والاسباب»، شارك فيها نخبة من المفكرين، واعقبها حوار مفيد ايضا. الكل يحاول ان يبحث في أسباب وجذور التطرف الديني الذي يجتاح عالمنا، والذي يحاول ان يصادر ديننا السمح، وان يحتكر التفاسير الدينية من زوايا أضيق من سم الخياط، أناس وجدوا في هذا الاحتكار مصدرا لرزقهم وقوتهم، ومارسوا غسيل عقول شباب يافع ودفعوا بهم الى المهالك ومهاوي الردى وهم لا يزالون يقبعون على عروش التخلف واحتكار التفاسير، ويطلقون اتهامات التكفير والانحراف على كل من يخالفهم الرأي او يحاول ان يعقلن ما يطرحون، او يناقش ما ينفثون من سموم باسم الدين والدين منها براء.

لنقرأ محاضر المحاكمات التي تمت في الكويت لبعض متهمي القاعدة الكويتيين، والتي نشرتها الصحافة الكويتية مشكورة، وذلك للتدليل على ان هناك من يعيش خارج العصر، وان هناك من يمارس غسيل أدمغة الشباب المسلم المغرر به، فكان منهم من قال بأنه توجه الى أفغانستان، لأن استمع الى فتوى أحدهم بأن طالبان امارة اسلامية مدللا بهدمها لتماثيل باميان، وان الدفاع عنها دفاع عن الاسلام، وان القتال في صفوفها واجب على كل مسلم، فكان ان توجه عشرات الشباب الذين دفعهم الحماس وربما صدق النوايا الى تورا بورا وقندهار، تاركين وراءهم المستقبل والتعليم والعمل والبناء والأهل طمعا بجنة وعدهم بها تجار الفتاوى وسماسرة الحروب.

واستمرت اعترافاتهم بأنهم سوف يقاتلون اليهود والمسيحيين في الكويت الى ان ينفذوا الوصايا العمرية التي كانت تفرض ايام عمر بن الخطاب بضرورة ان يفرقوا شعورهم، وألا يركبوا الخيل ـ بل الحمير فقط، وان يترجلوا من حميرهم حين يمرون على المسلم، وألا يشتروا السبايا من المسلمات، وان يصبغوا أعقاب ارجلهم بالحناء كي يميّزوا انفسهم عن باقي المسلمين... بالله عليكم، هل يعقل هذا؟

كنت اعتقد ان الخروج من دائرة العصر مسألة طالبانية، او انها تخاريف «قاعدية» (نسبة الى تنظيم القاعدة)، حتى استمعت الى المفكر الكويتي د. أحمد البغدادي عبر فضائية أبو ظبي التلفزيونية في برنامج «مبدعون»، وكيف ان فكر التخلف قد يتم ترويجه رسميا، ومما ذكره ان وزارة الأوقاف الكويتية توزّع كتيبا للحج يحوي فقرة خاصة بكيفية «حج العبد»، وهذا عبر مناهج رسمية لدولة قانون ودستور مثل دولة الكويت، ولكنه دليل على مدى تغلغل فكر التطرف والخروج من دائرة العصر، للعيش في زمن غابر لا يمكن العودة اليه لأنه مخالف لفطرة الله ـ سبحانه ـ وللواقع الذي نعيش فيه.

انني على قناعة بأن التخلص من فكر التطرف، ونشر ثقافة السماحة والمعاصرة، مسألة تبدأ من داخل البيت الرسمي العربي، ولعل في كلمة أمير قطر ـ الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ـ الافتتاحية بمؤتمر قمة مجلس التعاون الخليجي الاخيرة، واشارته الى ضرورة اعادة النظر في مناهج التعليم، وفي التعاليم الدينية الرسمية، بداية لوضع اليد على الجرح كي تتم معالجته بما يتواءم والواقع المعاش، وبما يمكن ان يخلق جيلا اكثر التصاقا ووعيا بعالمه ومجتمعه.

كما تعد تصريحات الأمير نايف بن عبد العزيز ـ وزير الداخلية السعودي ـ لصحيفة «السياسة» الكويتية، نواقيس تنبه الى مكامن ومصادر فكر التطرف والتخلف المدمر.

لقد خفّفت هاتان الشخصيتان ـ الأمير حمد والأمير نايف ـ كثيرا من العبء على العقلاء الذين كانوا كمن يؤذّن في خرابة، سنين طويلة، تلقوا خلالها اتهامات التغريب والخيانة بل والكفر على أيدي المتطرفين والجهلة... والحديث ذو شجون.