حول «صحة الحسابات الفلكية»

TT

نشرت «الشرق الأوسط» في عددها الصادر يوم السبت 2002/12/7، موضوعاً مسهباً أعده الشيخ الدكتور محمد كاظم حبيب، حول دقة الحساب الهجري الذي أعده وحاز براءة اختراع عليه من واشنطن، تناول فيه خلق الكون والخلاف بين التواريخ الهجرية الدقيقة والتواريخ الفلكية الغربية المملوءة بالأغلاط والتشويش (حسب قوله). لن أدافع عن علم الفلك وعلم الرياضيات الحديثة، لكنني سوف استعرض بعض آراء الشيخ الدكتور بما لديّ من معرفة واطلاع.

يجب ألا نهتم كثيراً بشهادة تسجيل الاختراع، فهناك أربعة ملايين براءة اختراع أصدرتها واشنطن لكل من يخترع أو يكتشف شيئاً جديداً، فالقصد من التسجيل ليس الحقيقة أو الوسيلة العلمية، بل حماية الاكتشاف تجارياً، من أن يعلم به أحد ويستغله لصالحه الخاص من دون علم المكتشف أو المخترع، لكن التسجيل لا يعني الدقة أو المستوى العلمي أو نجاح الاكتشاف العلمي أو الاختراع الميكانيكي.

قال الشيخ ان الله خلق الكون برمته قبل 6 آلاف سنة هجرية في ستة أيام، بدأت يوم الأحد وانتهت يوم السبت بخلق الإنسان في آخر النهار. لا أعلم النص الشرعي لهذا الحكم، لكننا نعرف بأن الإنسان والحياة وخلق الأرض (نحن لا نتحدث عن الكون)، تم قبل ذلك الموعد بآلاف وملايين السنين. فقد وجد علماء الآثار في البحرين آثاراً بشرية من بناء وآنية تعود إلى فترة (العديد) في العراق، وهي فترة حضارية تزيد على 7000 عام. ووجدت آثار للإنسان من خطوات بشرية في أواسط افريقيا قدر عمرها (بتحليل المواد المشعة) بنصف مليون عام. وهناك إنسان جاوا وبكين يناطح عمراهما المليون عام، كما عثر أحد العلماء على بيضة متحجرة لإحدى الزواحف في صحراء البحرين يزيد عمرها على 300 مليون عام، وأقدم خلية حيوانية تم تحليلها تعود إلى ما ينوف على 1000 مليون عام. وأقدم الصخور التي حللت تعود إلى أربعة آلاف مليون عام، عندما استقرت الأرض إلى حجمها وبعدها عن الشمس الحالي (الحديث عن الأرض فقط لم نصل بعد إلى الكون).

يتحدث الدكتور عن التاريخ الهجري ودقته وصحته واختلاف التاريخ الميلادي في أربع حالات لا تتجاوز فروقها عن يوم واحد.

التاريخ الميلادي يعترف بوجود فرق يوم واحد في حساباته، لأن الكنيسة عندما اعتمدته وأرخت به حوالي القرن السابع الميلادي انتقلت من قبل الميلاد إلى ما بعد الميلاد، من دون أن تحسب سنة الميلاد نفسها، لكن العلم أدرك الخطأ فلم يرغب بتغيير كل المواعيد والتواريخ وترك الروزنامة بطبيعتها وغلطتها. الجدير بالذكر أن الكنيسة وجدت أن العام ليس 365 يوما وربع يوم، بل يقل عن ذلك بعدة دقائق. وهذه الدقائق تجمعت حتى وصلت الى 11 يوما في أكتوبر 1582، فحذفت ذلك من التقويم، فهل اعتمد الدكتور ذلك الفرق، عند مقارنة التاريخين؟

الحديث هو عن التقويم الشهري القمري الهجري، ونحن نعرف أن ذلك تم في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، فهل هناك فرق بين التاريخ الهجري والتاريخ العربي الجاهلي، أم أنه تواصل به؟! نحن نعرف بأن العرب في الجاهلية رغبة في المحافظة على الفصول لتكون رحلة الشام في الصيف والحج في الخريف ورحلة اليمن في الشتاء. كانوا ينسلون (يؤخرون) الحج 11 يوما. يقول الإمام أبو الريحان البيروني ان رجلاً من قبيلة معينة (كنانة)، كان يقف في يوم الحج ليؤجله 11 يوماً للموسم القادم لنكمل السنة القمرية بالسنة الشمسية. أي أن يثبت موعد الحج في الخريف بدلاً من انتقاله في الفصول. والنسيء في اللغة هو التأخير، وعندما تتأخر عادة المرأة بسبب الحمل نقول بأنها تنست.. وحرم الله النسيء في سورة التوبة «إنما النسيء زيادة في الكفر..»، لأن بعض العرب كان يتلاعب بالوقت وبالنسيء فيحارب ويغزو في الأشهر الحرم.

أذكر بعض النقاط، أولها أن أسماء الشهور العربية القرشية تدل على المناخ، فالربيع هو موسم المطر عندما تربع الأرض، أي تخضر بالحشيش والكلأ. وجمادى عندما تخرج الأرض حجارتها وجمادها بعد أن يذبل الحشيش في الوديان بعد أن يقل موسم المطر. ورجب هو شهر مقدس تتم فيه رحلة الشتاء. وشعبان هو عندما تتشعب القبائل في الوديان عندما يقل الماء، إذ يوجد ما يكفي الجميع بسبب الصيف. ورمضان هو شهر الحر والرمضاء. وشوال عندما تشول الإبل بذيولها استعداداً للضراب، وهي ظاهرة فصلية. وذو القعدة للراحة والاستعداد للحج والموسم.. وكلها موسمية لا قمرية تنتقل بين المواسم.

ونخلص إلى ثلاثة أسئلة:

* هل كانت الأشهر العربية أشهراً شمسية لكي تكون موسمية ويبقى الحج ورحلة الصيف إلى الشام ورحلة الشتاء إلى اليمن في أشهر شمسية، أم أنها كانت أشهراً قمرية جعلت العرب ينسأون (يؤخرون) موسم الحج 11 يوماً في كل عام (كما أكد لنا الإمام البيروني)؟

* السؤال الثاني، يتعلق بسنوات الهجرة في حياة الرسول عليه السلام ومدتها عشر سنوات في المدينة، كيف كانت تحسب؟ سورة التوبة وهي من أواخر سور الكتاب حرّمت النسيء «إنما النسيء زيادة في الكفر..»، فهل كانت تلك السنوات العشر قمرية يتم نسؤها حتى حرم القرآن ذلك العمل؟

* السؤال الثالث، حدث بعد الفتح الإسلامي خلاف بين العاصمة المدينة وقادة الفتوح في الاتفاق على عام وتقويم موحد، فرأى الخليفة عمر وأصحابه في المدينة أن يعتمدوا السنة القمرية أساسا «بدون نسيء»، واعتبروا سنة الهجرة الأولى موعداً أولياً لها لأنها كانت السنة التي بدأ فيها الإسلام ينشر نوره في العالم. هذا كله معروف ومتفق عليه. السؤال هو: لماذا اعتبر محرم الشهر الأول؟ الهجرة تمت كما هو متفق عليه في ربيع الأول، فلماذا تم اختيار شهر محرم ليكون أول السنة الهجرية؟

للكلام بقية، لكنني أود أن استمع إلى من سوف يهتم بالموضوع ويعلق عليه.