أزمة لغة في واشنطن

TT

اصبحت وكالات الأمن الأميركية تتسابق لتوظيف متحدثين باللغة العربية لفحص مئات الآلاف من الاوراق التي تم العثور عليها من تنظيم «القاعدة» في أفغانستان واماكن اخرى من العالم، ولفحص مـئات الآلاف من المكالمات التي تم تسجيلها، وللتحقيق مع مئات من المشتبه فيهم الذين ينتمون الى دول عربية. وقد قام مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف.بي.آي) بتوظيف مائتي شخص يجيدون العربية، وقامت وكالة الأمن القومي بتوظيف ثمانمائة هذا العام وتأمل في مضاعفة العدد نهاية 2003، كما سيتم تخريج خمسمائة شخص يتحدثون العربية من معهد اللغات الاجنبية في البنتاغون.

اللغة العربية تعود الى الواجهة بعد اكثر من عشرة قرون من السبات العميق، فلقد كانت هذه اللغة حاضنة حضارة عربية ـ اسلامية في حواضر الثقافة العربية في دمشق وبغداد والقاهرة ثم في اسبانيا، وقامت دور الترجمة الشهيرة بترجمة الكتب العلمية والفلسفية من اللغات اليونانية واللاتينية والفارسية الى اللغة العربية، ودخلت هذه اللغة الى العلم من خلال نجاحات عظيمة في حقول الفلك والطب والجراحة والفلسفة، ثم حدثت ترجمة من الكتب العربية الى اللغات الحديثة في القرون الوسطى وبداية عصر النهضة الأوروبية.

اللغة العربية التي شكلت حلقة عظيمة في سلسلة التطور العلمي والثقافي للإنسانية، هذه اللغة التي انتجت آلاف الكتب في حقول العلم والثقافة والفلسفة، تعود بعد كل هذه النجاحات لتتحول الى لغة تستهدف فك رموز الارهاب، وتتحول من لغة علماء وفلاسفة الى لغة قتلة وارهابيين.

أميركا تحرص على مترجمين في اللغات الفرنسية والصينية والروسية واليابانية من اجل ترجمة مقالة في دورية علمية، او بحث في احدى جامعات تلك الدول او كتاب حديث صدر في طوكيو، او لقراءة كيفية استخدام جهاز صنع في باريس، بينما تعمل أميركا لتجنيد اكبر عدد ممن يجيدون العربية لتوظيفهم لقراءة آلاف الوثائق التي تتعامل مع القتل، ولترجمة التحقيقات مع شبان عرب ومسلمين في عمر الزهور غُسلت ادمغتهم ودفعوا الى الارهاب.

شباب العالم يصنعون الطائرات ونحن نفتخر بأننا نفجرها فوق رؤوس المدنيين، وشباب العالم يقضي وقته في المختبرات والجامعات وفي ممارسة الرياضة بينما ضاع آلاف من شبابنا بين كهوف تورا بورا ومعتقل غوانتانامو، والقرى الجزائرية التي يقتل فيها الابرياء بالسكاكين وينحرون كالخراف.

اللهم لا شماتة.. لكنها محنة عظيمة ابتلينا بها، ولا مخرج منها الا بالعودة الى العقل والى فضيلة الحوار والى نبذ العنف والتسلط والارهاب وغياب الحد الادنى من حقوق الانسان في العيش الكريم.