ثلاثة أسئلة حول أزمة العراق

TT

يبدو ان امريكا وبريطانيا مصممتان على ضرب العراق، وسوف تتمكنان من الحصول على غطاء الشرعية الدولية، لأن صدام لن يتمكن من الاستجابة لجميع المطالب المقدمة اليه. فالمعلومات السابقة تؤكد امتلاك العراق لكميات كبيرة من أسلحة الدمار الشامل. فإذا كان العراق قد دمرها فعليه ان يثبت ذلك، وإذا كان قد خبأها فعليه ان يكشف عن أماكن وجودها. فالمسؤولية الآن، هي مسؤولية العراق ان يثبت انه لا يمتلك اسلحة الدمار الشامل وليس مسؤولية امريكا وبريطانيا ان تثبتا انه يمتلكها. وسوف تجد الامم المتحدة صعوبة كبيرة في ادانة العراق او اثبات براءته. فالمسألة معقدة ولن تكون في نهاية المطاف في صالح العراق. وهناك ثلاث حالات فقط يمكنها ان تؤدي الى تراجع واشنطن ولندن عن خيار الحرب وهي:

1 ـ قيام النظام العراقي، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، بالاعلان عن اماكن وجود الاسلحة التي يقال انه يمتلكها، وتقديم مجموعة من التنازلات الأخرى التي تطالب بها واشنطن. وقد يكون من الصعب على صدام ان يصبح طرفا في هذه العملية، وقد ترفض واشنطن ولندن وجوده اصلا طرفا في هذه الصفقة، والحل البديل الذي يطرحه المحللون السياسيون يتمثل في تخلي صدام عن السلطة، وبقيام حكومة عراقية انتقالية تشارك فيها بعض عناصر السلطة الحالية مع بعض فئات المعارضة العراقية الموجودة الآن في الخارج، ويمكن لهذه الحكومة ان تضمن سلامة وأمن صدام وأسرته ومرافقيه، وان تحصل في الوقت نفسه على ثقة واشنطن ولندن في التعامل معها.

2 ـ نجاح العسكريين الامريكيين والبريطانيين في اقناع قادتهم السياسيين، بأن اقتحام بغداد وبعض المدن العراقية الأخرى لن يكون سهلا، وسوف يؤدي الى وقوع خسائر فادحة بين القوات المهاجمة، والى قتل عشرات الآلاف من المدنيين العراقيين الأبرياء.

3 ـ اقتناع واشنطن ولندن بأن حكومة المعارضة العراقية التي ستخلف نظام صدام بعد اسقاطه، لن تتمكن لا من تحقيق الأمن والاستقرار في العراق ولا من خدمة المصالح الامريكية والبريطانية في المنطقة في المرحلة القادمة. هذه هي الحالات الثلاث فقط التي يمكن معها تصور تأجيل أو الغاء قرار الحرب ضد العراق. وفي ما عدا ذلك فالاحتمال الاكبر هو ان الحرب واقعة وسوف تبدأ خلال الاسابيع القليلة المقبلة.

ما هي النتائج المتوقعة لضرب العراق؟

يعتقد صقور امريكا المتحمسون لضرب النظام العراقي، ان عملية اسقاط صدام ستكون اسهل بكثير مما يتوقعه بعض المحللين السياسيين المتخوفين من الحرب. ويراهن هؤلاء الصقور على الانهيار السريع للنظام العراقي، وعلى خروج مئات الآلاف من العراقيين المبتهجين بالتخلص من صدام الى الشوارع وقيامهم بالتظاهر والتعبير عن شكرهم وترحيبهم بالقوات الامريكية والبريطانية التي سوف تظهر بمظهر قوات التحرير عوضا عن القوات المعتدية. وإذا أيد الشعب العراقي فعلا عملية الهجوم الامريكي ـ كما تزعم هذه النظرة ـ وأعلن عن ابتهاجه بسقوط نظام صدام، فسيكون من الصعب على أي حكومة عربية أو اسلامية ان تستمر في رفض ومعارضه التدخل الامريكي العسكري في العراق. إذ كيف يمكن معارضة هذا التدخل الذي سيشارك فيه بعض العراقيين المعارضين لصدام وسترحب به غالبية فئات الشعب العراقي المضطهد. هذا ما تقوله المعارضة العراقية لواشنطن ولندن وهذا ما تحب القيادة السياسية في هاتين المدينتين سماعه في هذه الايام. وسيلي سقوط صدام وفق هذه الرؤية، تشكيل حكومة ائتلافية تضم مختلف فئات المعارضة العراقية، وسوف تنجح هذه الحكومة تحت الاشراف والدعم الامريكي في تحقيق أمن العراق واستقراره واعادة بنائه السياسي والعمراني والاقتصادي. وسوف تبدأ الدول العربية وايران مع مرور الوقت باقامة صلات ودية قوية مع حكومة ما بعد صدام. وسيصبح العراق كما يعتقد بعض المتفائلين، في المرحلة القادمة، بقيادة حكومته الجديدة، قوة فاعلة تساهم في تحقيق اربعة منجزات مهمة في منطقة الشرق الاوسط وهي:

1 ـ دعم عملية التحول الديمقراطي في الدول العربية.

2 ـ دعم عملية السلام بين العرب واسرائيل.

3 ـ المشاركة في مواجهة ومحاربة التيارات والحركات الاسلامية المتطرفة.

4 ـ تطوير قطاع البترول العراقي وتحقيق انطلاقة اقتصادية زراعية وصناعية قوية في العراق.

ومن الممكن لكل أو بعض اجزاء هذا التصور ان يتحقق، وان تكون عملية ضرب النظام العراقي وتجربة الحكم التي ستليه عملية ناجحة، وقادرة على تحقيق الاهداف المرجوة منها. ولكن يمكن بالمقابل لهذه الرؤية ان تكون رؤية خاطئة مئة بالمئة، سواء فيما يتعلق بمسألة النجاح بضرب عراق صدام، أو ما يتعلق بمسألة حكم واستقرار واصلاح وتطوير عراق ما بعد صدام. ويعتقد كثير من المحللين السياسيين العرب الذين عايشوا الحالة العراقية (بما فيها من نظام ومعارضة) منذ الثمانينات الميلادية وحتى الآن، بأن هناك صعوبات جوهرية ستواجه حكومة المعارضة العراقية التي ستحكم بعد صدام، سوف تمنعها من تحقيق الاهداف والمنجزات المطلوبة منها، ولو ان واشنطن تقتنع الآن بقوة احتمال فشل حكومة ما بعد صدام في تحقيق اهدافها المحددة، فإنها قد تمتنع، كما ذكرت، عن القيام بضرب العراق أو تؤجل تنفيذ العملية بعض الوقت.

ماذا بعد ضرب العراق؟

يعتقد بعض العرب ان امريكا بعد ان تحكم قبضتها على العراق سوف تبدأ في ممارسة الضغط على السعودية وسوريا ومصر وايران، للحصول على تنازلات مختلفة من حكومات هذه الدول. فضرب النظام العراقي ـ وفق هذه الرؤية العربية ـ يمثل نقطة البدء في عملية امريكية طويلة تستهدف اضعاف الموقف العربي والاسلامي. وغني عن القول ان هذه النظرة قد تركت تأثيرا قويا على مواقف غالبية الدول العربية التي اظهرت العديد من التحفظات على عملية ضرب العراق. وعلى الرغم من ان واشنطن تؤكد ان هدفها الاساسي من ضرب العراق هو القضاء على اسلحة الدمار الشامل الموجودة لديه. وتنفي وجود أي اهداف سياسية أخرى أو وجود أي نية لها في التحرك خارج العراق ضد دول عربية أو اسلامية أخرى، بالرغم من ذلك فإن المحللين السياسيين العرب يرفضون تصديق واشنطن. فعندما أرسلت امريكا قواتها لضرب طالبان في افغانستان سئلت واشنطن في ما اذا كان العراق سيكون هو الهدف التالي بعد افغانستان، واجابت بالنفي، مؤكدة ان العراق لن يكون الهدف القادم بعد طالبان. ولهذا فعندما تقول امريكا الآن انه لا يوجد لديها اي هدف آخر في المنطقة بعد اسقاط صدام، فقد يكون من حق بعض السياسيين والمفكرين العرب اثارة الشك حول التصريحات الامريكية.

ولمعالجة هذه المشكلة فإن واشنطن تؤكد ان موقفها الحالي تجاه العراق قد تطور وتبلور خلال الاشهر الاخيرة، فلقد كانت امريكا وما زالت متأكدة من امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل. وان توخي الحذر بعد الدرس القاسي الذي تعلمته واشنطن في احداث 11 سبتمبر، وعدم الثقة بصدام، قد أوجدا قناعة مطلقة لدى الادارة الامريكية بأن الرئيس العراقي لن يتردد في تزويد خلايا القاعدة بأنواع مختلفة من اسلحة الدمار الخطيرة الموجودة لديه. وان خلايا القاعدة سوف تسعى بدورها لاستخدام هذه الاسلحة ضد اهداف مدنية في امريكا وأوروبا. ولهذا فإن العراق كما تقول امريكا هو حالة خاصة ولا ينبغي للدول الأخرى في المنطقة ان تخشى من ضرب امريكا للعراق. قد يكون العراق هو حالة خاصة وقد لا يكون. وقد تنتهي العملية الامريكية عند ضرب العراق واسقاط نظام صدام وقد لا تنتهي، وسوف تتضح الصورة الحقيقية للموقف الامريكي خلال الاشهر الاولى التي ستلي ضرب العراق في حالة حدوثه. وقد يقبل بعض العرب والمسلمين بفكرة أن العراق هو حالة خاصة، وقد يقبلون ايضا بعملية اسقاط النظام العراقي الذي سبب مشاكل عديدة للعرب انفسهم، ولكن موقفهم الفعلي تجاه واشنطن سوف يتحدد في ضوء السياسة الامريكية التي ستعقب ضرب واسقاط نظام صدام. فأي توجه لواشنطن يدل على رغبتها في التحرك خارج العراق ضد أي دولة عربية أو اسلامية أخرى، سوف يؤدي الى معارضة، وربما مواجهة عربية واسلامية قوية لواشنطن، قد يكون من السابق لأوانه مناقشة مظاهرها ومضمونها منذ الآن.