يجب ألا يستمر إصلاح الوضع بالقنابل

TT

ضمن المرحلة التالية من الحرب ضد الارهاب، ستقوم الولايات المتحدة على الأرجح بغزو العراق خلال الأشهر المقبلة، بطرق سوف تثير حالة من الرعب في أوساط المدنيين هناك. وهو ما يدفع البعض الى الدعوة للاستفادة من احتفالات أعياد الميلاد والتروي قليلا، ثم التفكير بشكل جاد في تعبير الوضوح الأخلاقي، الذي يستخدمه الرئيس بوش بطريقة تؤدي الى تصلب موقف المتشددين، لكنها تزعج المعتدلين.

فالبعض منا يتساءل: هل من الانصاف تصوير الحرب ضد الارهاب على انها ترمز الى الخير (الذي نمثله نحن) والشر (الذي يمثله الآخرون)؟

لقد حاول غرينفلي بايفورد طرح رؤية المتشائمين، من خلال بحث نشره في مجلة «فورين افيرز»، قائلاً ان تعبير الوضوح الأخلاقي يتسم بطابع شكلي أكثر من كونه حقيقة، وأنه «كلما تم التعجيل بوضع حد للأطروحات الكلامية، كان ذلك أفضل». ويبدو ان أولئك المتابعين لواقع الحال يميلون لاقحام أنفسهم في ثلاثة تفسيرات متعلقة بالوضوح الأخلاقي:

بداية لا بد من التوضيح بأن معنى الارهاب يرتبط برؤية من يتحدث عنه. فالرئيس ريغان كان قد أعلن ان حزب المؤتمر الأفريقي جماعة ارهابية، قبل وقت غير بعيد من فوز زعيمه نيلسون مانديلا بجائزة نوبل للسلام. وفي الوقت نفسه كان قد وصف يوناس سافيمبي، الذي كان الجميع يعتبرونه ارهابيا، بأنه ابراهام لينكولن أنغولا. يا للهول.

واذا ما تحدثنا عن ابطال أميركا القوميين، فكيف سيكون موقف أجدادنا الذين اشتركوا في الثورة الأميركية، ممن قاموا بحرق منازل الموالين للبريطانيين؟ هل كانوا ارهابيين؟

القول بامكانية التخلص تماما من الارهابيين قد لا يكون مجديا في بعض الأحيان. وحتى لو اتفقنا على مفهوم الارهاب، فمن غير المتوقع أن نتفق حول ما يتوجب علينا اتخاذه حياله. فباكستان من وجهة نظر البعض، دعمت الارهاب (في كشمير) بطريقة تجاوزت ما فعله العراق، لكن بدلا من غزو باكستان، قرر بوش ببساطة ارسال المساعدات لها ـ على اعتبار ان دعم الرئيس برفيز مشرف هو أفضل سبيل لوضع نهاية للعنف. ولما كانت الظروف مختلفة، فاننا احيانا نقوم بقتل أولئك الذين يرتبطون بالعنف، وأحيانا أخرى ندعوهم للقيام بزيارات رسمية لبلدنا ـ أميركا.

ووفقا للمواصفات العسكرية الفجة، فان مصطلح الارهاب كثيرا ما يؤتي ثماره. وقد تؤدي الأساليب الحديثة لقتل الناس في بادئ الأمر لاثارة الغضب، لكنها في نهاية المطاف تصبح مقبولة. فقد استخدم هنري الخامس شعارات أثارت غضب الفرنسييين. كما أثار اصطفاف البريطانيين ذوي المعاطف الحمراء باسلوب مهندم استياء بعض رعاة البقر الذين حجبوا أنفسهم خلف الأشجار. وبعد معركة غويرنيكا، اعتبر البعض ان القصف الجوي كان همجيا، وخلال الحرب العالمية الثانية أدان الغرب صواريخ في ـ 1 و في ـ 12 الالمانية، واعتبروها أسلحة ارهابية.

وهكذا خلال لحظات التشاؤم أخشى من أن يصبح الارهاب على طريقة تنظيم «القاعدة» مبررا آخر بشعا لتحقيق «تطور» في التاريخ العسكري، على اعتبار ان جماعات أخرى متطرفة تشعر بدون شك بدهشة هائلة لأن تنظيم «القاعدة» تمكن من إلحاق أذى كبد الولايات المتحدة مئات المليارات من الدولارات، مستخدما فقط حوالي 400 الف دولار. ويتوقع منظرو حرب فيتنام حدوث حرب عصابات مدنية على طريقة «القاعدة»، كما يتوقعون مخاطر قد يحملها المستقبل لأميركا.

جميع هذه المشاكل تعكس ما أشار اليه الباحث البريطاني آدم روبرتز، باعتبارها «شكوكا في محلها»، وهو يتحدث عن مصطلح الارهاب. كما ان وكالة أنباء رويترز تمتنع في العادة عن وصف الناس بالارهابيين، الأمر الذي يثير غضب أولئك الذين ينتشرون في أنحاء العالم ويعتبرون أنفسهم واثقين من أن ذلك الوصف ينطبق على خصومهم.

أوجه الاعتراض تلك تترك تعبير الوضوح الأخلاقي ركيكا الى حد ما. لكن احتمال أن يصبح الارهاب في نهاية المطاف مبررا تستند اليه جميع التنظيمات المحبطة، يضاعف من أهمية أن نفعل كل ما نستطيع القيام به من أجل نزع شرعيته ـ وهو ما دفعني مؤخرا لدعم حملة الرئيس بوش المتعلقة بالوضوح الأخلاقي.

هذا المفهوم، الذي يعد واحدا من الأفكار المحدودة المتعلقة بمقاومة الارهاب، والتي بدت عملية الى حدما، تم تدشينه لحشد الرأي العام على المستوى الدولي من أجل كشف عورة الارهاب، من خلال مؤتمر استضافته جامعة هارفرد أوائل عام 2002.

من ناحية مثالية، يتوجب على أية جماعة تضم عددا من المنتمين اليها أن تدرك انها اذا ما قتلت مدنيين، فانها ستصبح منبوذة وستلحق الضرر بالقضية التي تناضل من أجلها.

ربما يكون من السذاجة الميؤوس منها السعي من اجل جعل الارهاب ظاهرة محظورة عالميا، وربما يكون الوضوح الأخلاقي غير الجلي متناقضا من حيث مواصفاته. لكن هناك سابقة بهذا الخصوص: ففي أعقاب الحرب العالمية الأولى، قرر عدد من الدول الرئيسية عدم مشروعية استخدام الغاز السام.

الاتجاهات الهجومية ليست مأساوية كنسف معسكر لتدريب الارهابيين، لكنها في نهاية الأمر قد تكون أكثر فعالية. وتنفيذ حملة غير مكتملة وغير متماسكة ضد الارهاب قد يؤدي الى انتشار ذلك النوع من المشاعر الشعبية التي سادت في أوساط أبناء اقليم الباسك والتاميل والفلسطينيين وحتى الأميركيين، وستجعلهم يفكرون مليا قبل السعي لاصلاح الوضع بالقنابل.

وهكذا ونحن نعيش هذا الوقت من العام، أمامنا فرصة تاريخية لتأمل أوضاعنا بشكل أخلاقي. وقد حان الوقت لطرح أسئلة حول الوضوح الأخلاقي، مهما شعرنا بالخوف من حالة التشويش وعدم الثبات وحتى من النفاق، على اعتبار ان ذلك سيكون أفضل من الغموض الأخلاقي.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»