حرب ... أم ازدهار اقتصادي؟

TT

بأي مقياس كان، يصعب القول ان التراجع الذي شهده الاقتصادان الاميركي والاسرائيلي عام 2002 المنصرم كان مجرد صدفة.

إذا سلمنا بأن من الصعوبة بمكان إجراء مقارنة مستوفية الشروط الموضوعية بين الاقتصاد الاسرائيلي ـ المعتمد بنسبة ملموسة من دخله على الاقتصاد الاميركي ـ واقتصاد الدولة الاعظم في العالم، وإذا أخذنا في الاعتبار الخصوصيات الداخلية التي تفرق بين مقومات هذا الاقتصاد وذاك، يظل العامل الموحد لتعثرهما في عام 2002 هو ... أوضاع الحرب الداخلية التي يواجهها الاقتصاد الاسرائيلي وأجواء الحرب الشرق أوسطية التي تغذيها واشنطن باطراد.

استنادا الى الاحصاءات الرسمية، وفي ظل الحديث المتواصل عن حرب مع العراق وما استجد مؤخرا من ارتفاع وتيرة التصعيد مع كوريا الشمالية، وفي اعقاب البيانات التي تظهر ان معدلات البطالة في الولايات المتحدة ارتفعت الى اعلى مستوى لها منذ 8 سنوات، اتضح في مطلع العام الحالي ان مؤشر ثقة المستهلك الاميركي انخفض، في ديسمبر (كانون الاول) 2002 الى 80.3 عن معدله الذي كان يبلغ في نوفمبر (تشرين الثاني) 84.9.

ارقام كهذه اثارت مخاوف المحللين الاقتصاديين من عجز الانفاق الاستهلاكي ـ الذي يشكل ثلثي الاقتصاد الاميركي ـ عن دفع الاقتصاد الاميركي على طريق المعافاة في فترة قصيرة الامد، وفي وقت بلغ فيه عدد الشركات الاميركية التي اعلنت افلاسها العام الماضي 186 شركة تمتلك ارصدة تبلغ قيمتها الاجمالية 368 مليار دولار.

وعلى صعيد العملة الاميركية، توقعت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية، في عددها الصادر في 2/01/2003، ان يواجه الدولار الاميركي «عاما آخر صعبا» في اسواق المال العالمية، بعد ان خسر، العام الماضي، 9.6 في المائة من قيمته تجاه سلة من العملات الرئيسية ـ وهي الخسارة الاضخم منذ 15 عاما.

أما في اسرائيل فقد ذكرت دائرة الاحصاء المركزية أن عام 2002 كان العام الاسوأ منذ 1953، اذ سجل الاقتصاد الاسرائيلي نموا سلبيا بنسبة 1 في المائة وانخفض معدل الانتاج الفردي بنسبة 3 في المائة، فيما ارتفع معدل البطالة الى 10.4 في المائة مقارنة مع 9.4 في المائة عام 2001.

هذه الاحصاءات الرسمية والتوقعات القاتمة لاقتصاد اسرائيل دفعت رئيس الحكومة ارييل شارون ـ الذي يخوض معركة انتخابية يزداد الحديث فيها عن دوره السياسي في تدهور الاقتصاد الاسرائيلي ـ إلى تطبيق ممارساته الارهابية على الاقتصاديين والمصرفيين، إذ استدعى مدير دائرة الاحصاء المركزي الحكومية وطالبه بـ«اعادة النظر» في معدلات النمو السلبي للاقتصاد الاسرائيلي، و«انب» رئيس البنك المركزي الاسرائيلي على قوله ـ بعد تراجع سعر الشيكل ـ بأنه لا يستبعد انهيار «مصرف تجاري كبير».

سواء كان الموضوع موضوع اقتصاد جبار كالاقتصاد الاميركي، أو اقتصاد ملتحق بذيله كالاقتصاد الاسرائيلي ـ يظل خيار المرحلة واحدا في الحالتين: الحرب ... أم التنمية.