تقسيم السنة النبوية

TT

كل الناس يعرفون ان سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، هي: قول.. وفعل.. واقرار. لكن كثيرين لا يعرفون ان للسنة النبوية تقسيما آخر، يميز فيها بين ما هو تشريع، أي دين ملزم دائما وأبداً، وبين ما هو غير تشريع، لأنه يدخل العادات البشرية والاجتماعية، أو في السياسات المرتبطة بوقائع خاصة وملابسات ليس لها دوام ولا ثبوت. ومن القدماء الذين كتبوا في هذا التقسيم للسنة النبوية الامام احمد بن ادريس القرافي (684هـ 1285م) والامام ولي الله الدهلوي (1110 ـ 1176هـ 1699 ـ 1762م) ومن المحدثين الشيخ الطاهر بن عاشور (1296 ـ 1393هـ 1879 ـ 1973م) والشيخ علي الخفيف (1309 ـ 1398 هـ 1891 ـ 1978م) والإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت (1310 ـ 1383هـ 1893 ـ 1963م).. الذي كتب في هذا الموضوع فقال: «ينبغي ان يلاحظ ان كل ما ورد عن النبي، صلى الله عليه وسلم، ودون في كتب الحديث من اقواله وافعاله وتقريراته على اقسام:

احدها: ما سبيله سبيل الحاجة البشرية، كالاكل والشرب والنوم والمشي والتزاور، والمصالحة بين شخصين بالطرق العرفية والشفاعة، والمساومة في البيع والشراء.

ثانيها: ما سبيله سبيل التجارب والعادة الشخصية أو الاجتماعية، كالذي ورد في شؤون الزراعة والطب، وطول اللباس وقصره.

وثالثها: ما سبيله التدبير الانساني أخذاً من الظروف الخاصة، كتوزيع الجيوش على المواقع الحربية، وتنظيم الصفوف في الموقعة الواحدة، والكمون والكر والفر، واختيار اماكن النزول، وما الى ذلك مما يعتمد على وحي الظروف والدربة الخاصة. وكل ما نقل هذه الانواع الثلاثة ليس شرعا يتعلق به طلب الفعل أو الترك، وانما هو من الشؤون البشرية التي ليس مسلك الرسول صلى الله عليه وسلم، فيها تشريعا ولا مصدر تشريع.

ورابعها: ما كان سبيله التشريع وهو على اقسام:

1 ـ ما يصدر عن الرسول، صلى الله عليه وسلم، على وجه التبليغ، بصفة انه رسول كأن يبين مجملا في الكتاب، أو يخصص عاما، أو يقيد مطلقا، أو يبين شأناً في العبادات أو الحلال والحرام، أو العقائد والاخلاق، وشأنا متصلا بشيء مما ذكر. وهذا النوع تشريع عام الى يوم القيامة.

2 ـ ما يصدر عنه، صلى الله عليه وسلم، بوصف الامامة والرياسة العامة لجماعة المسلمين: كبعث الجيوش للقتال، وصرف أموال بيت المال في جهاتها، وجمعها من محالها، وتولية القضاة والولاة، وقسمة الغنائم، وعقد المعاهدات، وحكم هذا انه ليس تشريعا عاما، فلا يجوز الاقدام عليه إلا باذن الامام، وليس لأحد ان يفعل شيئا منه من تلقاء نفسه بحجة ان النبي فعله أو طلبه.

3 ـ ما يصدر عنه، صلى الله عليه وسلم، بوصف القضاء، يفصل في الدعاوى بالبينات أو الايمان والنكول. وحكم هذا كسابقه، ليس تشريعا عاما، حتى يجوز لأي انسان، ان يقدم عليه بناء على قضائه به، بل يتقيد المكلف فيه بحكم الحاكم (القاضي).

«ان كثيرا مما ينقل عن الرسول، صلى الله عليه وسلم، قد صور بأنه شرع أو دين، وسنة، أو مندوب، وهو لم يكن في الحقيقة صادرا على وجه التشريع أصلاً..».

انها صفحة من صفحات العلم النبوي، تغيب حتى عن كثير من الذين يتخصصون الآن في السنة النبوية الشريفة!