«منظار» العام

TT

في العدد الاخير من المجلة التي تصدر مع صحيفة «الصانداي تايمس» صورة للرئيس الاميركي جورج دبليو بوش يحمل فيها منظارا عسكريا ويراقب من خلال عدستيه المنطقة الحدودية الفاصلة بين الكوريتين، والى جانبه بعض الجنرالات. اللافت ان عدستي المنظار كانتا مغلقتين، ولا اعرف ما اذا كان الرئيس الاميركي ادرك وهو يصوب المنظار ان العدستين مغلقتان ام اعتقد ان ما رآه مظلم وحالك.

المفرح في الامر ان ذلك الظلام لم يمنع العالم من الخروج للاحتفال بوداع عام 2002. لقد كان هناك تصميم عام وكأنه جرى اتفاق عليه بأن يرفض العالم الارهاب وما يجر من اعتبارات امنية، وان يرفض ان تحجر عليه الاستعدادات للحرب على العراق او استئناف كوريا الشمالية برنامجها النووي. حتى مدينة نيويورك امتلأت بأكثر من نصف مليون شخص ابتهجوا لوداع عام 2002. ولما ضاقت لندن بالمحتفلين بسبب اغلاق ساحة الطرف الاغر الشهيرة بسبب اعمال انشائية، سافر كثيرون الى اسكوتلندا ومن بقوا عرفوا كيف يحتفلون في الشوارع او الفنادق او البيوت ويلتقون مع عشرات الالاف من الفرنسيين الذين تدفقوا على جادة الشانزليزيه، والالمان الذين تجمعوا امام بوابة براندنبورغ التاريخية، والروس في موسكو. ولم تقصر مدن عربية او افريقية في تحدي واقعها او المستقبل الذي سيفرض عليها، في وداع العام الماضي. كما ان بعض الماليزيين قفزوا بأمان من اعلى بناء في العالم (برجا بترونا في كوالا لامبور) لوداع العام.

رغم كل السلبيات التي حفل بها عام 2002، الا انه عجز عن ان يقضي على آمال بعض الشعوب. فقد حمل البرازيليون عاملا بسيطا الى سدة الرئاسة وهتف ثلاثة ارباعهم لبطلهم «لولا داسيلفا»، فهم قرروا ان يحولوا بلادهم الشاسعة من دولة «يحتمل ان تزدهر في المستقبل»، الى دولة تعيش المستقبل. ولم يتردد «لولا» بأن يعين وزيرا للثقافة نجم البرازيل في الموسيقى جيلبرتو جيل الذي افتتح مهرجان التسلم والتسليم باغنية «فيفا لولا».

الحدث الثاني المهم كان فوز المعارضة في كينيا ووصول موابي كيباكي الى الحكم وانهاء سيطرة دانيال اراب موي التي طالت 24 عاما. لقد اختار كيباكي لتحالف الاحزاب المعارضة التي خاض الانتخابات على رأسها اسم «تحالف قوس القزح الوطني»، لم يسم تحالفه بجبهة التحرير او الطريق القويم او المؤتمر الوطني، ولم يلجأ الى التقدمية والصدامية، عرف ان في كينيا اثنيات عديدة وقبائل كثيرة وانها كلها تتطلع الى فترة «الصحو» من الفقر والجهل والجوع.

هناك رابط يجمع بين «لولا» وكيباكي، فالاثنان ولدا فقيرين. «لولا» تقدم عبر النقابات العمالية وكيباكي توفرت له فرصة دراسة الاقتصاد وممارسة العمل السياسي. «لولا» فاز في الانتخابات بعد اربع محاولات وكيباكي بعد ثلاث. والاثنان يدركان المصاعب التي تنتظرهما.

واعود الى «منظار» الرئيس الاميركي، فهو بدوره يتطلع الى انتخابات 2004، ورغم كل ما يتردد عنه، يبقى حذرا ويرفض الخوض بسرعة في متاهات حرب اذا لم يتأكد من تبعاتها. لعله قصد ألا يفتح عدستي «المنظار» قبل ان يحسم قراره. ليت هذا التخمين يكون صحيحا كي لا تقع حرب فقط من اجل الحفاظ على الادارة وفوز رئيسها بفترة رئاسية ثانية.

ان عام 2003 سيكون عام القرارات الحاسمة، والخطر كل الخطر ان لا تكون صائبة.