التفاوض وفق الطريقة الكورية

TT

كوريا الشمالية بلد فاشل ومفلس يعيش على هامش عالم المستقبل، الا في مجال واحد، هو طاقته النووية الموجهة نحو التسليح. ولعل هذه الطاقة بالذات، مضافة اليها العزة القومية عند الكوريين الجنوبيين، هي ما يبقي كوريا الشمالية اليوم لاعباً مشاغباً في ملعب السياسة الدولية.

الطاقة النووية والتضامن القومي الذي يشعر به الكوريون الجنوبيون ازاء اخوتهم هما الآن ما يحول دون التعامل مع ازمة السلاح النووي الكوري بالطريقة التي يجري فيها التعامل راهناً مع ملفي العراق والارهاب.

ففي الموضوعين العراقي و«الارهابي» لا مجال للتساؤل او الاستيضاح. وممنوع منعاً باتاً محاولة التوافق على تعاريف للمصطلحات. ومن المحظورات المطالبة بشفافية نووية «عمومية» تسقط عندها الحدود وتتيح سريان مفعول منع تطوير السلاح النووي او غيره من اسلحة الدمار الشامل على عمرو وزيد وعبيد. ومن المحرّمات فعلاً السماح للعرب بتسوية خلافاتهم الاقليمية في ما بينهم.

فقط هناك ادعاء «دولي» وهناك متهمون مشتبهون منقوصو الولاء حتى اذا كانوا مواطنين يحترمون القانون ويعيشون في دول العالم الغربي. والكارثة هي ان هذا التمييز المسوغ للاضطهاد والتعامل بعنصرية يخدم بالذات صدقية الفئات والجماعات المفترض انها المشبوهة والمرشحة للعقاب.

هذا هو وضع العالمين العربي والاسلامي اليوم. اما في شبه الجزيرة الكورية فالوضع مختلف.

فالكوريون الجنوبيون الذين حققوا معجزة اقتصادية حقيقية، وتعوّدوا بسرعة على الديمقراطية بعد كوابيس الحكم العسكري، ما زالوا يؤمنون بأنهم كوريون، ويحلمون بإعادة توحيد شبه الجزيرة الكورية المقسمة. وهم على ما يبدو مستعدون للتغاضي عن تجاوزات نظام كنظام بيونغ يانغ، لاعتبارات تتعلق بمستقبل الأمة الكورية بأسرها. وهم تواقون للوحدة بالرغم من انهم ـ كالألمان من قبلهم ـ سيخسرون الكثير مادياً من استيعاب بلد على شفير المجاعة والافلاس اعتاد مواطنوه العيش في ظل نظام شمولي شخصاني متخلف.

وحول السلاح النووي، صدق احد الصحافيين الاميركيين اخيراً عندما قال ان التهديد الاميركي بالقوة في الشرق الاوسط ينجح لأن العراق والدول العربية الاخرى دول ضعيفة لا تملك السلاح النووي، بينما نضطر للجوء الى الضغوط التفاوضية مع كوريا الشمالية لأن لدى الكوريين قدرات نووية. فالابتزاز ينجح مع الضعفاء لا الأقوياء.

ولكن يبقى عنصر ثالث هو الأهم في هذا السياق، وهو القبول بوجود نافذة للتوسط.

ففي الموضوعين العراقي و«الارهابي» لا وجود فعلياً للوساطات، وما تفعله الأمم المتحدة دور إجرائي معرض للإجهاض في اي لحظة، في حين ان هناك عدة دول لها مصلحة في الاضطلاع بدور توسطي بين بيونغ يانغ والولايات المتحدة. وما يقال همساً في الكواليس الآن ان واشنطن لن تغضب مطلقاً اذا دخلت كوريا الجنوبية وروسيا والصين على خط وساطة تحفظ لها كبرياء خطابها الفوقي، وتضمن لها تنازلات كورية شمالية من دون ان يعتبر قادة بيونغ يانغ انفسهم خاسرين.