عندما فهم الثور الأسود

TT

وأنا أقص لابنتي ذات الأعوام الستة حكاية أو «حدوتة» قبل النوم، ذات ليلة من ليالينا الأخيرة، وجدتني أتوقف أمام قصة أظن أننا جميعاً سمعناها محكية لنا من أهلنا، أو حكيناها نحن لأولادنا، وهي قصة الثيران الثلاثة مختلفة الألوان، الأسود والأبيض والأحمر، والتي حار معها الأسد أو الذئب ـ لا أدري، ولم يتمكن أبداً من القضاء عليهم مجتمعين، ولم يكن أمامه إلا ان يفرق بينهم مستغلا اختلاف الألوان لينفرد بهم ثوراً ثوراً، وبدأ بالأبيض وانتهى بالأسود الذي قال قولته المشهورة، وهو تحت أنياب الأسد أو الذئب ـ ليس مهماً ـ تلك المقولة التي أصبحت تراثاً حيوانياً أو انسانياً ـ لا يهم أيضاً، طالما أنها صحيحة ـ عندما قال «قتلت يوم قتل الثور الأبيض» ولكنه كان ادراكاً متأخراً.

حكيت لكم الحكاية ولم أذكر لماذا توقفت أمامها في هذه الأيام بالذات، تسربت من بعض المسؤولين العرب خلال الفترة الأخيرة، سواء في أحاديثهم الخاصة أو من خلال بعض اداراتهم أن رسائل أبلغت لهم بأنهم سوف يكونون في مأمن اذا ما أبدوا القدر المناسب من التعاون مع التوجه أو التحرك، أو التصور، الأميركي في المرحلة القادمة، وتزامن هذا مع قدر من التباعد، أو عدم الرغبة في إيجاد مساحة من الحوار أو التنسيق بين الأطراف العربية المختلفة، إما بمنطق الشك، أو بمنطق البحث عن الحل المنفرد، أو العلاقة المتميزة مع الشريك الخارجي، وبدا ان هذا التنسيق الغائب مرده لدى بعض الأطراف رغبة في النجاة، أو هكذا يعتقدون كما اعتقد الثور الأسود منذ البداية.

ليس المقصود هنا الحديث عن تنسيق للمواجهة بمفهومها التصادمي، ولكن ما أقصده هنا هو التنسيق بغرض التدارس والتفاهم للوصول الى قواعد مشتركة، الى تفاهم متبادل، الى تصور مشترك لتحديد وتقسيم أدوار في مواجهة القادم والذي يبدو أنه قريب.

ليس كل ما يقدمه الأسد أو الذئب الأميركي كله شراً، وليس أيضاً كله قدراً محتوماً، والتعامل بمنطق الثور الأسود في هذه الحالة سوف ينتهي بنا الى أن يتحول كل ما يقدمه الأسد أو الذئب الأميركي الى شر حتى لو كانت به عناصر إيجابية، وأن نتحول نحن الى كائنات يعبث بها أسياد الأوليمبي كيفما يشاؤون كما يحدث في الأساطير الاغريقية، فلا نملك من أقدارنا إلا البكاء علينا وعليها.

البحث عن الايجابي ـ وهو موجود ـ من الحالة الصعبة التي نواجهها الآن، والقدرة على الاستفادة ـ أو على الأقل التجاوز بأقل قدر من الخسائر ـ من هذه الحالة لن يتأتى، إلا اذا أدركت كل الأطراف العربية أنها في قارب واحد، ولن ينجو كل طرف اذا ما قرر أن يقتطع منفرداً جزءاً من القارب ظناً منه انه بذلك سوف يكون من الناجين، بل ان الحفاظ على القارب متماسكاً سوف يكون الوسيلة للفهم والاستفادة والتجاوز، ولنا في الثور الأسود عبرة.

[email protected]