عزيزي المحبّر،
«ذكرت في زاوية سابقة، يا اخا العرب، ان بعض زملائك في الجريدة يستخدمون خطأ كلمة «ارتدى» قبعته بدل اعتمر، و»ارتدى» الحذاء بدل «انتعل». وتوقفت جنابك عند هذا الغنى اللغوي الاثير بعدما انزلت برفاقك التأديب والتأنيب متباهياً على المساكين كأنك الآمدي او الواحدي او ابن المعتز او ابن النبيه او ابن نباته. فأين جنابك من عظماء اللغة وسادة الكلام واصحاب الصياغة ورواد التصنيع ومهرة الترصيع وامراء البديع، واين جنابك من السهل الممتنع والصعب المرتفع والدر المبتدع، الا فامهل رفاقك الطيبين، وعلى رسلك ايها المحبر فلست بين المرجعين.
«واذا كنت جنابك قد تباهيت بأنك تعرف الفرق بين «ارتدى» و»اعتمر»، فاسمح لي ان اورد لك ما عدده مواطنكم احمد فارس الشدياق عندما وصل الى الاسكندرية ورأى فيها اجناساً من البشر، لكل جنس شعار على رأسه يميزه عن الآخر. قال الشدياق ما يلي: «اما موقع المدينة فأنيق لكونه على البحر، وقد زادت بهجة بكثرة الغرباء فيها، فترى رؤوس ناس مغطاة بطراطير، واخرى بطرابيش، واخرى بكمام وغيرها بمقاعط، واخرى ببرانس وغيرها بعمائم واخرى باصناع وغيرها بعصائب واخرى بعمارات وغيرها بمداميج واخرى بنصاف وغيرها بقبعات واخرى بقلانس وغيرها ببراطل واخرى بسبوب وغيرها باراصيص واخرى باراسيس وغيرها بخنايع واخرى بقنابع وغيرها بدنيات واخرى بصواقع وغيرها بصمد واخرى بصوامع وغيرها بمشامذ، واخرى بمشاود وغيرها ببرانيط، على شكل الشقيط والشبابيط والضفاريط والضماريط والقلاليط والعضاريط والعذافيط والعماريط والقماعيط، ومنهم من له سراويلات طويلة مفرسخة تكنس ما خلفه وما قدامه، ومنهم من لا سراويلات له، ومنهم من له تبان ومنهم من له أتب ومنهم من يركب الحمير والبغال، وغيرهم على الخيل والجمال، والابل في ازدحام والناس في التطام...
«الا يا اخا العرب، فاغتنِ حفظك الله، من شلالات اللغة قبل ان تباهي بالقليل الذي تملك على اترابك ورفاقك. وعد الى امهات القواميس. واسمع مثلاً وصف الشدياق في صوت «الارغن» اذ يقول: وفيه طنطنة ودندنة وخنخنة ودمدمة وصلصلة ودربلة وجلجلة وقلقلة وزقزقة ووقوقة وبقبقة وفقفقة وطقطقة ودقدقة وقعقعة وفرقعة وخشخشة وجرجرة وغرغرة وخرخرة وقرقرة وبربرة وطبطبة ودبدبة وكهكهة وقهقهة وبعبعة وزمزمة وهمهمة وحمحمة وغطمطة ودأدأة وضأضأ وياياء وقاقاء وصهالق وجلنبلق وغطيط وجخيف وفحيح وحفيف ونشيش ورنين ونقيق وطنين وعجيج وارير ودوي وخرير وازيز وهرير وصريف وصرير وشخب وصبئ ومواء...
«هذا غيض من فيض فياض غياض، الا فاحذر المفاخرة في اللغة فهي بحر وانت حبر. او محبر. ودمت.
بليغ بن بيان.