العرب.. ووظيفة الفرجة!!

TT

هل للانسان العربي وظائف متعددة أم له وظيفة واحدة محددة؟ هل اصبح مقدرا على الانسان العربي ان يمارس وظيفة الفرجة فقط، من على مدرجات الملاعب دون ان يشارك في ألعابها، حتى لو كان يملك شيئا من اللياقة الفكرية والجسدية؟! بلا شك ان الانسان العربي من طول مكوثه على المقعد استأنس لعبة الجلوس، وغدا يقوم بوظيفة المراقب من بعيد، مكتفيا بالتهليل عند وقوع كل مشهد تراجيدي، ولا مانع من ان يدعم ما يراه بالتصفيق الحاد حينا، وبذرف الدموع حينا آخر!! هذا للاسف اصبح واقع الأمة العربية تجاه ما يجري على الساحة من وقائع محزنة تعج بها الطرقات العربية، واذا خطر على بال أحد التجول في أحد ازقتها لمشاهدة يافطات كبرى معلقة على جدرانها المتآكلة، مكتوب عليها.. موت النخوة العربية.. الاستسلام الطوعي.. الطريق الى العبودية.. المشي بقدمين حافيتين.. «طنش، تعش، تنتعش»!!.. وغيرها من العبارات الكبيرة التي تحرض على العودة الى زمن الافلام الصامتة، بعد ان صار لغط الكلام يحرك آفة الوجع في اعماق النفس العربية!!

ما الذي جرى؟! لماذا اصبح حال العرب يثير شفقة الغريب قبل القريب؟! هل لأن أمة العروبة تنازلت عن حقوقها شيئا فشيئا حتى نسيت ما لها وما عليها؟! هل غدت تعيش مخدرة، لا تدري من اين تنتزع حقوقها؟! أم انها في الاصل تجهل ماهية هذه الحقوق؟! هل هي واقعة في حيرة لا نهاية لها، الى درجة انها اصبحت لا تعرف نقطة البداية من نقطة النهاية لترميم اخطائها؟! لقد اغرقت نفسها في بحيرة من التساؤلات.. هل تبكي شبابها الذين غسلت ادمغتهم، مما أدى الى وقوعهم في مطبات خطيرة، معتقدين أنهم قاموا ببطولات عظيمة، على الرغم من انها انعكست سلبا على مصير امتهم العربية؟!

أقرب مثال ما حصل مؤخرا في اليمن من قيام شاب اصولي متطرف، بقتل الامين المساعد للحزب الاشتراكي، لقناعته بأنه شخص مارق عن الدين الاسلامي!! هل تبكي الامة اولادها المعتقلين في قاعدة «غوانتانامو» لتورط بعضهم في تنظيم «القاعدة»؟!

هل تتحسر على سمعة الدين الاسلامي الذي حرّف البعض اهدافه، وغيروا مسلكه، مما جعل العالم ينظر اليه على انه دين متعصب، يرفض التعايش مع الآخرين، وانه دوما دين متحفز، يكشر عن انياب دموية!!

المؤسف في الوقت الذي يتسابق فيه العالم من أجل رفع افراد مجتمعه، وتقدم بلدانه، ما زالت أمة العروبة غارقة حتى اذنيها في شراء بطاقات زهيدة، للفرجة على سرك خيبتها، «واكروبات» عجزها، تطلق الزفرات والآهات على شبابها الذين يتساقطون من العلو الشاهق، اثناء سيرهم على الحبال المعلقة في الهواء، دون ان تقرر وضع اطواق تحمي اجساد ابنائها عند ارتطامها بالارض، مهشمة فورا رؤوسهم!! ما زال العرب يأخذون امورهم المصيرية بالفهلوة والشطارة الشعبية، دون ان يفكروا بجدية في ان التقدم العلمي هو الدعم الحقيقي، وان قيمة الأمم باتت تقاس بثقل وزنها، الذي ينبع من مقدار ما تحققه من انجاز فكري، وتطور تكنولوجي، وان العالم صارت تحكمه شريعة الغاب، كلما طالت اظافر أحد من سكانه هابه الآخرون، وكلما وهنت مخالبه تكالب الجميع للقضاء عليه وتمزيقه إرباً دون رحمة!!

لقد قامت كوريا الشمالية بطرد مفتشي الطاقة الذرية، بعد اعلان الوكالة قرارها طلب تجميد المنشآت النووية في كوريا الشمالية، مما اعتبرته الحكومة الكورية تدخلا في شؤونها الداخلية، وخرجت مظاهرات في الشوارع تندد بالسياسة الامريكية، مع هذا خرج وزير خارجية امريكا كولن باول، ليقول ان امريكا مستعدة للحوار مع الحكومة الكورية لاقناعها بالتخلي عن برنامجها النووي، قبل ان تمارس عليها ضغوطا سياسية واقتصادية، في الوقت الذي تعلن فيه السلطات في امريكا حربها على العراق، وتصر على وجوب استجواب العلماء العراقيين، بل وتحث على خطفهم او مساعدتهم على الهرب، ومنحهم حق اللجوء السياسي، مقابل ادلائهم بمعلومات عن اسلحة الدمار الشامل داخل العراق، مما يعد انتهاكا صارخا لحقوق الانسان!! مع هذا ما زال العرب يضعون اذنا من طين، واذنا من عجين، وما اكثر العجائن بأنواعها على الموائد العربية!! ويقفون عند خطوط التماس، يستقبلون الرصاص بصدورهم دون ان يضعوا دروعا واقية تضمن سلامة ارواحهم، ليثبتوا للقاصي والداني انهم ما زالوا يتحلون بصفتي الشجاعة والاقدام!! ويصرون على ممارسة لعبتهم المفضلة، لعبة الفرجة، كأن ما يجري لا يدخل في صميم مسؤولياتهم، ولا يتعلق بمصائر اجيالهم الجديدة، التي صارت تتحدث بلغة العنف، للتعبير عن سخطها لما يجري لأمتها المجيدة!!

الغريب ان امريكا في الوقت الذي تصر فيه على انتهاك الخصوصية العربية واملاء تعليماتها على الجميع، يطالب عدد من العلماء الاوروبيين، الاتحاد الاوروبي، بوجوب الحد من هجرة العقول الى الولايات المتحدة، التي تجتذب المواهب الشابة، ودعوتها الحكومات الاوروبية الى الانفاق على الابحاث الاساسية، واشراك القطاعات الخاصة في التنمية والبحث التطبيقي، كما هو جار في امريكا واليابان، حيث خصصت امريكا 2.7 في المائة من ميزانيتها عام 2000 للابحاث والتنمية وكما انفقت اليابان ثلاثة في المائة من ميزانيتها لنفس الهدف.

كلها دروس وعبر وصور واقعية، لكن لا حياة لمن تنادي، فما زالت العديد من البلدان العربية تضرب بساقها مؤخرات ابنائها، وتدير ظهرها للعقول الفذة من شبابها، وتدفعهم قسرا الى الرحيل غير مأسوف عليهم، فيبحثون عن وطن بديل يعثرون فيه على الامان المادي والمعنوي ويحصلون مجانا على دروع واقية تحميهم من بطش انظمة بلدانهم!!

التاريخ سيكون حكمه قاسيا، وغدا عندما تقلب اجيال المستقبل دفاتر الماضي بحثا عن الحقيقة المتوارية خلف الضباب، عن الاسباب التي ادت الى هزالة مواقف اجدادهم!! سيكتشفون ان الجميع كانوا يقفون عند الشاطئ، يقدمون رجلا ويؤخرون اخرى، راغبين في قرارة انفسهم الغوص في اعماق البحر ببسالة المحاربين، لكن الكل للأسف كانوا يتوجسون من الموت شهداء، حتى اخذتهم الصاعقة وهم ما زالوا يتشاورون!!