ساحة حرب متعددة الجبهات

TT

في العام الماضي زعم السياسيون المعارضون للهجوم على صدام حسين، انه قد يربك حربنا الدولية ضد تنظيم «القاعدة». ومع حلول العام الجديد هناك مبرر أضخم: حيث يعتبرون ان التهديد النووي القادم من نظام كوريا الشمالية يعد أكثر إلحاحا، وبالتالي علينا التوصل الى حل معه قبل التوجه نحو صدام.

باختصار، يبدو ان رغبة حمائم الإدارة الأميركية في عدم حسم القضايا بقوة، تجعلهم يطرحون إننا لم نعد قادرين على تحمل المزيد، إي ان الساحة الدولية باتت أشبه بدائرة متعددة الحلبات.

هذا الاتجاه نحو الشلل ناتج عن «حربنا الوهمية» الطويلة ضد العراق. ويبدو ان ما اعتبره كولن باول ومؤيدوه في مجلس الشيوخ خلال الصيف الماضي نصرا ـ تأجيل أي عمل يقوم به الحلفاء الى حين الحصول على مباركة مجلس الأمن الدولي لمسعانا الرامي لوضع حد لما يفعله صدام حسين سرا ـ بات الآن فكرة غير موفقة.

فالمباركة الصريحة لإجراء موحد قد لا تتم على الأرجح في القريب العاجل. ونتيجة لذلك، استغل الانتهازيون في كوريا الشمالية فرصة إطالة أمد هذه الحرب الوهمية، لتجديد تحديهم النووي.

ولو كانت حرب نزع أسلحة العراق قد حسمت إلى الحد الذي يدفع تلك الدولة المارقة للتفكير مليا في عواقب تهديداتها النووية، لما كانت كوريا الشمالية قد انتهزت الفرصة لتجديد ابتزازها. فقد وجدنا أنفسنا اليوم في دائرة متعددة الجبهات، لاننا لم نمض قدما كما يجب بشأن منطقة الخليج.

لماذا لم يوجه حاكم كوريا الشمالية المستبد تهديده أساسا للدول المجاورة له ككوريا الجنوبية والصين وروسيا واليابان؟ لأنه اختار الولايات المتحدة كهدف رئيسي، سعيا لاضعاف موقف الدولة العظمى بمطالبته بـ«التواصل» معنا على وجه الخصوص.

طرح البعض في وزارة الخارجية انه لابد من تجاهل تجارب الماضي واستئناف مفاوضات ثنائية بمنح التسوية تعبيرا أشد صلابة. وعندما لم يؤت مصطلح «الاحتواء المحكم البناء» ثماره، انطلق متحدث باسم باول ليطرح علينا ما يشير إلى قبولنا للابتزاز مجددا، حيث قال إن الادارة الأميركية «مستعدة لاستئناف حوار شديد الصرامة».

عوضا عن اللجوء للأمم المتحدة لطلب تدخلها، على الرئيس بوش ان يأمر بسحب القوات المسلحة الأميركية من كوريا الجنوبية، والتي باتت الآن رهينة لما قد يقوم به الشمال. وليتول الكوريون مسألة الحوار الصارم مع بعضهم بعضا. وبعد ذلك عليه إن يترك الأمر لزعيم الصين الجديد، على اعتبار ان بكين لا تستطيع التهرب من مسؤولية التغاضي عن قرار كوريا الشمالية بانتاج صواريخ طويلة المدى، تحمل رؤوسا حربية نووية، قد تستخدم لابتزاز الولايات المتحدة أو تباع لدول أو لجماعات إرهابية. وهنا لابد من التساؤل عن صمت الصين. فالصين الشيوعية هي الدولة الوحيدة التي لها نفوذ سياسي واقتصادي وعسكري على كوريا الشمالية الشيوعية. ولا يمكنها تبرئة نفسها من دعم وتمويل تلك الدولة المستبدة الواقعة عند حدودها. لايمكن إعفاء الصين من التزامها بكبح جماح حليفتها التي تتضور جوعا، بدون أن تفقد مكانتها المزعومة كقوة كبرى في آسيا.

وربما لم يفكر جنرالات الصين بعد، في التحول الذي قد يشهده ميزان القوى في المنطقة، إذا ما توفرت لبيونغ يانغ القدرة على سحق مائة مدينة صينية بصواريخ نووية، وأيضا في الدافع الاقتصادي الذي سيشجعها على تصدير أسلحة الدمار الشامل لأقاليم متوترة داخل الصين.

وربما يتساءل الجيش الروسي، الذي شاهد كيف سمحت أميركا لكوريا الشمالية بإرسال شحنة من صواريخ سكود إلى اليمن، عما إذا كنا سنتخذ نفس الإجراء ونحن نعترض طريق سفينة كورية شمالية بلا راية تحمل أسلحة نووية، وهي في طريقها إلى الشيشان.

بالتأكيد إن الأمر سيتضح لليابانيين فقد مروا بتجربة مع صواريخ كوريا الشمالية ، فهم سيشعرون ان بلدهم الغني هو المعرض مباشرة للابتزاز النووي. فالمظلة الأميركية مريحة، وخشية اليابانيين من الأسلحة النووية لها جذور عميقة، لكن لدى ذلك البلد المعرفة العلمية ووقود البلوتونيوم اللازمين لإنتاج اسلحته الرادعة خلال عام واحد.

هل ترغب الصين وروسيا في رؤية اليابان وهي قوة نووية مدفوعة بخشية تعرضها لهجوم نووي؟ وهل ترغب بكين وموسكو في ترك الأمر لواشنطن بمفردها لكي تتعامل دبلوماسيا، وربما بثقة فائقة، مع بيونغ يانغ ـ خاصة ونحن نخوض حربين في الوقت الراهن؟

يتوجب على الرئيس بوش ان يلفت اهتمام الصين وروسيا وكوريا الجنوبية، إلى أن الولايات المتحدة ليست سيدة الملعب الوحيدة في ساحة متعددة الحلبات. وإذا ما أرادوا حماية بلدانهم، فإن من شأنهم ان يتبعوا خطانا ضد الإرهابيين، وألاَّ يعترضوا طريقنا في العراق، بحيث يتبنوا زمام المبادرة بشأن إصلاح اعوجاج كوريا الشمالية.

* خدمة «نيويورك تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»