خطورة عسكرة الانتفاضة وإلغاء طابعها الجماهيري

TT

بعد وقت قصير من لقاء الرئيس الامريكي بيل كلينتون مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، تواترت التقديرات والتحليلات والتوقعات حول مصير عملية التسوية على مسارها الفلسطيني ـ الاسرائيلي بعد استمرار الانتفاضة بدون توقف وعودة عرفات من واشنطن الى قمة الدوحة الاسلامية بدون اي نتائج او حصيلة ملموسة لاجتماعه مع كلينتون.

فالرئيس الامريكي وعلى ضوء الحالة الحرجة لمصير الانتخابات الامريكية لن يترك البيت الابيض دون استثمار طاقته حتى اللحظة الاخيرة لتهدئة الاوضاع على المسار التفاوضي الفلسطيني ـ الاسرائيلي، وربما لاعطاء صورته مسحة ايجابية لدى الرأي العام الامريكي باعتباره بقي الى ابعد ما يمكن يحاول الامساك بخيوط تسوية يبدو بأنها افلتت من حبال الربط الامريكية.

ويمكن القول ان سيد البيت الابيض قد قدر حساباته قبل شهر من هذا التاريخ بشكل لم يتوافق مع حصاد بيدر نتائج الانتخابات الامريكية، حيث كانت المؤشرات والاستطلاعات تبشر بنجاح وفوز المرشح الديمقراطي آل غور، بينما الامور الآن اصبحت في نقطة حرجة بين اصوات قليلة هي الفارق بين فوز المرشح الاول الجمهوري، او المرشح الديمقراطي الآخر. وبالتالي فإن مردود لقاء كلينتون مع عرفات او محاولة استثمار تهدئة الوضع المتفجر على المسار الفلسطيني ـ الاسرائيلي أمسى بلا جدوى تذكر، اللهم إلا اذا كان كلينتون ما زال مصرا على خروج ابيض ناصع من رئاسته.

وبكل الحالات، لا ينفي ولا يتعارض التحليل المشار إليه، وهو الرأي السائد لدى اوساط فلسطينية واسعة من السلطة والمعارضة على حد سواء، مع الاتجاه القائل ان الادارة الامريكية وطواقم الخارجية ستعمل باقصى ما لديها لممارسة اشكال فاعلة من الضغط على الطرف الفلسطيني والرئيس عرفات خلال الفترة القليلة القادمة لدفعه نحو:

1 ـ اصدار اوامر مباشرة لقيادات حركة فتح وقواعدها في الضفة والقدس والقطاع (التنظيم) لوقف الاعمال الانتفاضية.

2 ـ الضغط على المعارضة لدفعها نحو التجاوب مع رغبة واشنطن بوقف الانتفاضة تحت شعار «وقف العنف» واعادة اعتقال عدد من الكوادر التي تم اطلاق سراحها.

3 ـ العودة الى طاولة المفاوضات مجددا وتركيز الافكار بالنسبة لقضايا مفاوضات الحل الدائم على اساس ورقة الحل الامريكية التي قدمت في كامب ديفيد2.

4 ـ عودة التنسيق الأمني الفلسطيني ـ الاسرائيلي تحت الاشراف الامريكي.

وفي حالة قبول عرفات بالعناوين المشار إليها، فإن واشنطن ستدفع باراك نحو سحب قواته من مداخل المدن والرفع الكامل لعمليات الاغلاق للبوابات والمعابر، ومطار غزة. مع صفقة مالية امريكية سخية تقدم للطرفين الفلسطيني والاسرائيلي بحيث تفوز تل ابيب بنصيبها الاكبر.

وهنا فإن الرئيس عرفات سيبقى في وضع حرج، فتحمله للضغوط لن يكون متاحا الى ابعد الحدود او حتى الى الحدود التي تراها واشنطن. فعرفات قد يؤثر في حركة الشارع الفلسطيني وفي قواعد حركة فتح لكنه لن يكون حاسما وضابطا للوضع كما تريد واشنطن الى النهاية، خاصة مع الاستخدام الاسرائيلي المفرط للقوة، عدا عن حالة الاحتقان التي يعيشها الشعب الفلسطيني وتردي الحياة المعيشية بجوانبها الاقتصادية والتعليمية. وعليه فإن لقاء واشنطن لم يكن مقدرا له ان يأتي بالجديد النوعي لجهة اخذ وقائع ما حصل بعين الاعتبار وبالتالي فإن «الفشل غير المعلن» كان الحصيلة الواقعية لاجتماع كلينتون ـ عرفات.

الآن وفي ظل المعطيات القائمة، ومع اتساع نطاق العمليات العسكرية الاسرائيلية، واستخدام المروحيات لاغتيال قادة الانتفاضة الميدانيين وعلى رأسهم الشهيد حسين عبيات المسؤول العسكري لتنظيم حركة فتح في منطقة بيت لحم، تكون الانتفاضة قد دخلت مرحلة جديدة، ربما اتسع من خلالها اللجوء الى استخدام السلاح، والرد على عنف الاحتلال بعمليات خاصة فلسطينية (وهي عمليات مطلوبة) ضد قواته على تخوم المدن والبلدات الفلسطينية او في العمق، وكل هذا يؤشر الى امكانية تطوير الانتفاضة لتمزج بين كونها حركة فعل شعبي ديمقراطي بالحجارة وبين الاشتباك العنفي مع الاحتلال ودخول سلاح المولوتوف والرصاص، الامر الذي يتطلب الحذر الفلسطيني من عسكرة الانتفاضة وتحويلها الى عمل عسكري بحت والغاء طابعها الجماهيري الواسع في ظل توازن قوي عسكري مختل بالكامل لصالح الاحتلال.

بهذا المعنى، فإن الفرق كبير بين تحويل الانتفاضة الى ظاهرة عسكرية فقط، وبين المزج بين النمطين من: العمل الجماهيري الانتفاضي والعمل العنفي المحدد ونحو اهداف منتخبة الامر الذي لا يتعارض ايضا مع ضرورة توزيع السلاح على كل المقاتلين والاستعداد لمواجهة قوات الاحتلال في حال اقدمت على محاولة اجتياح المدن والبلدات الفلسطينية الواقعة تحت السيطرة الفلسطينية الكاملة.

* كاتب فلسطيني ـ دمشق