«كيان مختل»: الإنسان المعاصر

TT

بالنسبة الى البعض، يمكن ان يكون جورج اف كينان، اعمق دبلوماسي اميركي في القرن الماضي. وبالقدر القليل الذي قرأته عن مشاهير الدبلوماسية الاميركية، او بأقلامهم، فإني انضوي في هذا الرأي. ولست ادري اذا كان يكفي ما قرأت وما تابعت كصحافي اجنبي. غير انني من اولئك الذين قرأوا افريل هاريمان (صائد المشاكل) وعنه، وقرأوا عن المسز هاريمان، باميلا للاصدقاء، التي طلقت اكثر من جاكلين كينيدي وجعلت هوايتها حمل الاسماء اللماعة وماتت في مسبحها عن 76 عاماً وهي سفيرة لأميركا في باريس، حيث دارت في ضيافتها اشهر واخطر حكايات وترتيبات البلقان والشرق الاوسط.

بلغ جورج اف كينان السادسة والتسعين من العمر. وكان قد انضم الى السلك الدبلوماسي الاميركي العام 1928. وذاعت شهرته عندما ابرق من موسكو الى الخارجية الوثيقة التي عرفت في ما بعد باسم «البرقية الطويلة» وفيها يحذر الادارة من سذاجة الرؤية لروسيا الستالينية. وبعد ذلك بعام نشر مقالاً مطولاً في «فورين افيرز» بتوقيع * بعنوان «اصول السلوك السوفياتي» ظهرت فيه للمرة الاولى كلمة «الاحتواء». ولعله اليوم الدبلوماسي الوحيد على قيد الحياة من الرجال الذين عملوا مع روزفلت وترومان و... ستالين، كما تقول «النيويوركر» التي اجرت معه مقابلة حول كتابه الجديد: «عائلة اميركية».

يجب ان اوضح ـ اذا كان ذلك مهماً ـ ان نظرتي الى كينان تنبع من ضعف واحد لدي: اسلوبه في الكتابة وثقافته الادبية وملاحقته للقضايا كمفكر لا كموظف. وهذه مدرسة لم تعد موجودة الآن في اي مكان، لا عندنا ولا عند سوانا. نحن الآن نعيش في عصر ريتشارد هولبروك الذي تصفه الولايات المتحدة رئيساً لوفدها لدى الامم المتحدة. وفي حين كان يفترض ـ في مدرسة كينان ـ ان يشبه الدبلوماسي المفكرين فإن المستر هولبروك يشبه مدير الشرطة المتقاعد في التشيلي.

كان كينان ضد قيام حلف الاطلسي وضد حرب الفيتنام وضد سباق التسلح وضد مشروع رونالد ريغان لزيادة حجم الدور الاميركي في السباق. لكنه ـ وفي وقت واحد ـ كان ضد اعطاء الاستقلال المبكر في افريقيا، كما عارض التدخل الاميركي تحت ذرائع انسانية في الصومال ولكن ايضاً في البوسنة وكوسوفو. ويعتقد كينان ان الطبع البشري مريض بالميول الوحشية «لكن للأسف هناك حدود لما نستطيع ان نفعله حيال ذلك. اعتقد انه من الخطر ان نحاول احداث اي تغيير في الطبيعة البشرية خلال فترة قصيرة. فإذا اردت ان تغير حضارة ما، يجب فقط ان تفعل ذلك كما يفعل الجنائني لا المهندس. اي يجب ان يتناسب ذلك مع قواعد الطبيعة لأنه لا يمكن تحقيق كل شيء بين ليلة وضحاها. من هنا انا عملياً ضد جميع الثورات لأنها تحاول ان تغير كل شيء مرة واحدة ولذلك تنهار على نحو مريع».

محاولة الولايات المتحدة فرض نموذجها الديمقراطي على العالم اجمع «غير واقعية اطلاقاً ومتعجرفة وسخيفة». اما الانسان المعاصر «فهو كيان مختل. هناك الكثير من الحيوان فيه، شهواته الجنسية. حبه للسلطة الخ».