اتحاد رباعي وخلافات ثنائية

TT

اعلن في الجزائر ان وزراء خارجية الاتحاد المغاربي «تجاوزوا الخلافات السياسية» لكي يتفقوا على بعض المسائل الاجرائية والشكلية التي لا علاقة لها بالقضايا الكبرى التي تفصل بين اركان الاتحاد، كقضية الصحراء والعلاقات المغربية ـ الجزائرية، وشرحُ ذلك ان لا اتفاق على الاتفاق حتى الآن بل مجرد اكتفاء بأدبيات الحضور والمشاركة. وهذا هدر للوقت وللوقود. وقبل البحث في اتحاد رباعي يجب حل القضايا الجوهرية الشائكة التي تفصل بين دول المجموعة، وهي قضايا لا تحل في يوم واحد، لكن استمرارها معوق للعلاقات الثنائية ومضر بها. واذا كانت قضية «الصحراء» اعقدها، فليست هي الوحيدة في العلاقات بين الجزائر والمغرب، حيث تتحول الحدود المشتركة الى مصدر للشكاوى والقلق والخلافات، بدل ان تكون مدخلاً الى التعاون والتبادل والنمو الاقتصادي المشترك. وجميع العلاقات الثنائية بين الدول الاربع، حذرة او سيئة او متردية. وتحاول تونس ان تبحر بهدوء في بحر هائج ومتوتر، خائفة على صغر حجمها وخاصية مكانها، فيما تندفع ليبيا نحو افريقيا السمراء متجاهلة انها في قلب افريقيا الشمالية، بحيث تبدو قمم الاتحاد الافريقي في سرت وكأن ميزتها غياب العرب ـ الافارقة الذين يشكلون الثقل الجغرافي والسياسي والسكاني والتاريخي في القارة.

وتصل الازمات الجزائرية ـ المغربية احياناً الى درجة المواجهة العسكرية. ويتخذ البلدان مواقف متوترة تزيد في التباعد. ويتوجهان الى بعضهما البعض بلغة قائمة على مرارة الاعوام الماضية وليس على آمال الايام التالية. ويشكل المغرب العربي الذي يعاني من الفقر والمشاكل الاجتماعية وانعدام النمو، قارة من خيرات الارض وثرواتها. ويمتد المتوسط على شطآن الدول الأربع ليربطها بالقارة الاوروبية القريبة، في النفط والزراعة، اضافة الى مورد المهاجرين من دول ثلاث هي المغرب وتونس والجزائر. وكان يفترض في الدول الاربع ان تفيد من المبادلات لكي تستقبل بدورها حركة التصنيع والتحديث الزراعي ومشاريع التنمية الصناعية المشتركة، لكن هذه الفائدة اقتصرت على نواح بسيطة جداً في معامل الغزل والنسيج والافادة من اليد العاملة القابلة بأجور ضئيلة. وتحاول تونس اكثر من سواها، الاستفادة من امكانات التبادل والبحث عن موارد بديلة عن النفط الذي تتمتع به الجزائر او ليبيا. غير ان الطاقات اللامتناهية في المغرب والجزائر وليبيا تبقى دون استثمار. وفي الوقت نفسه يغلب فقر شديد ومريع على بعض مدن الجزائر والمغرب. وربما على الكثير من الريف ايضاً.

تتعاطى دول المغرب مع جوارها الاوروبي، او سواه، منفردة متفردة. فلا تنسيق حقيقياً كوحدة جغرافية اقتصادية اجتماعية، بل لكل دولة خطاب سياسي او اجتماعي او اقتصادي مناقض او منافس او مختلف. ومن دون الاتفاق على تفاهم سياسي ادنى، لن يكون في امكان الاتحاد الاتفاق على اي شيء ذي فائدة او نفع. فالاتحاد المغاربي يغيب طويلاً ثم يعود حيياً ليثبت انه لا يزال في الوجود، ولو معلقاً بين الموت والحياة. او ليؤكد لحوالي مائة مليون مغاربي انه باق فيما العلاقات الثنائىة معدومة او حذرة او شديدة الحدة والتوتر. ولا يمكن للتجمع الرباعي ان يقاوم حقيقة التباعد الثنائي. والافضل للجميع ان يبدأ كل شيء من جديد. من الاشياء الصغيرة. من ضرورات واحكام التفاهم والتعاون. وان ينسى الجميع تجارب الضم والعناق الخانق والوحدات التي لا تعيش اكثر من مدة قراءة بياناتها.

كلما تواضع الهدف اصبح ممكن التحقيق.