المؤلف والبطل!

TT

مائة عام مضت ولا يكف الأدباء عن اصطحاب أطفالهم الى دور السينما والمسرح لمشاهدة «بيتر بان» او الولد الذي لا يكبر ابدا للكاتب ج. ام. باري، وذلك لما فيها من مغامرات ومشاهد مبهرة، ففيها اطفال يطيرون في الفضاء وقراصنة، وهنود حمر، وغير ذلك من الاشياء التي يسعد كل من يشاهدها سواء من الصغار او الكبار.

وفي كل عام ومع احتفالات العالم بأعياد ليلة رأس السنة الميلادية يقوم المسرح القومي البريطاني بتقديم عرض «بيتر بان» بطريقة مختلفة ولكن بنفس الابطال من الاطفال الذين «لا يريدون ان يكبروا ابدا».

في العرض المسرحي الجديد «بيتر بان» يعود بيتر الى وندي بعد الانتهاء من مغامراته ويطلب منها ان تطير عائدة معه، لكنها تخبره انها قد كبرت منذ وقت طويل وانها لا تستطيع ان تفعل فعل الطيران بعد الآن.

يصدم بيتر ويخبرها بأنها وعدته بألا تكبر ابدا.. لكن الحل الذي يتعرض له العرض هو ان يواصل بيتر الطيران مع ابنة وندي ويلعب معها بدلا من والدتها التي لم تعد تناسبه في اللعب والمرح والطيران، وعندما تكبر ابنة وندي هي الاخرى ترسل ابنتها للعب بالطيران مع بيتر.

الغريب ان رواية «بيتر بان» رغم انها كتبت اصلا لتسلية الاطفال الا انها تسلي الكبار ايضا. فقد نجح جي. ام. باري في كتابة هذه الرواية ببراعة لأنه مثل بطله لم يكبر ابدا.. فقد كان الفنان المسرحي قصير القامة يصور نفسه دائما على انه لا يزال حييا. ففي احدى رواياته ذكرت البطلة الشابة ان زوجها لا يزال حييا، يحبها كأخته وليس كزوجته. اما على مستوى الواقع فان باري هجرته زوجته بعد ثماني سنوات من اجل رجل آخر وقد قالت فيما بعد ان زواجها من باري لم يتم ابدا بمعناه الصحيح أي انه لم يدخل بها ابدا!

وفي الوقت الذي عمت فيه الحريات الجنسية دول الغرب الأوروبي كانت هناك اصوات تنادي بعودة المجتمع الى براءة الطفولة الأولى، وفي هذا الوقت ايضا ظهر جي. ام، باري الذي اصبح من اشهر الكتاب المسرحيين.

ظهر تيار في المجتمع الأوروبي يريد الابتعاد عن نظرية فرويد المرعبة والخاصة بالحياة الجنسية في مرحلة الطفولة، وكذلك التأكيد على صورة الانثى التي تشبه «مريم العذراء» والتي تعيش الأمومة البحتة دون أية مطالب شخصية انانية، وفي نفس الوقت تعرضت مسرحية باري الى عودة الاطفال الى أمهاتهم والى ضرورة اثبات الأمهات لأمومتهن قبل تسلم اطفالهن.

هذا الحنين الجارف الى حنان الأم لا يزال فكرة تشغل بال المجتمع في هذا العصر الذي تعمل فيه المرأة ولا تستطيع تلبية احتياجات اطفالها الذين تتركهم لساعات طويلة محرومين من حنان الأم ومن عاطفة الأمومة.

كذلك الرغبة العارمة في الحصول على الشباب الدائم والبريء في المجتمع الحديث هي احدى رسائل مسرحية «بيتر بان» وهي هاجس الرجال والنساء في منتصف العمر الذين يقبلون على اجراء عمليات التجميل لعلهم يعودون مرة اخرى الى الشباب الذي ولى.. ولكن هيهات!