لعبة البدائل!

TT

المفترض ان يكون الاميركيون قريبين من الحوار، الذي تُشرف عليه مصر، بين الفصائل الفلسطينية أو بين حركة «فتح» وحركة «حماس» تحديدا. فالحوار المتعثر الجاري يمهد للخطوة التالية والخطوة التالية هي الشروع، كما وعدت الادارة الاميركية، بتنفيذ خطة «خارطة الطريق» التي تبدأ بمجموعة من الخطوات «الكيفية» الاجرائية وتنتهي بالخطوة «النوعية» الكبرى، التي هي اقامة الدولة الفلسطينية على الجزء الاعظم من اراضي فلسطين التي احتلت في عام 1967، بما في ذلك القدس الشرقية.

هناك اعتقاد تؤكده معلومات اوساط قيادية فلسطينية ان مبادرة الحوار، بين «فتح» و«حماس»، تم الاتفاق بشأنها بين مصر والولايات المتحدة. وهناك معلومات منسوبة الى بعض كبار المسؤولين الفلسطينيين تقول ان الحوار اساسا هو بين المخابرات الاميركية الـ «سي. آي. ايه» و«حماس»، وان وجود حركة «فتح» هو مجرد غطاء لهذا الحوار وهذه المفاوضات.

وهنا فإنه لا بد من التأكيد انه لا يعيب حركة «حماس» ان تجري حوارا مع الـ «سي. آي. ايه» ومع اي مسؤول اميركي، وحتى مع «الموساد» ومع الحكومة الاسرائيلية، فهذه الحركة، «حماس»، هي حركة وطنية فلسطينية، ولذلك وبهذه الصفة فإنه من واجبها ان تتحاور مع اي كان من اجل قضية شعبها، والحوار اساسا لا يعني التفريط فقد يتحاور خصم مع خصمه عشرة اعوام من دون ان يتخلى أو يتنازل عن أي من قناعاته وثوابته الوطنية.

كانت اسرائيل قد ادركت في وقت مبكر، خطورة فتح قنوات اتصال بين الولايات المتحدة الاميركية ومنظمة التحرير، وأي من فصائلها وبخاصة حركة «فتح»، ولذلك فقد بادر جهاز «الموساد» الاسرائيلي الى اغتيال القائد الفلسطيني ابو حسن سلامة لأنه كان قد فتح قنوات اتصال مع الـ «سي. آي. ايه» في نهايات العقد السابع من القرن الماضي. ولذلك، ايضا، كان تعهد كيسنجر بعدم اعتراف اميركا بالمنظمة الفلسطينية أو اقامة اي علاقات معها لقاء دفع مناحم بيغن، للتوقيع على اتفاقيات كامب ديفيد الشهيرة.

إذا كانت الولايات المتحدة جادة فعلا في تحقيق سلام في الشرق الاوسط، واطفاء بؤرة التفجر الفلسطينية من خلال خطة «خارطة الطريق» أو غيرها، فإنها بالضرورة.. يجب ان تكون معنية بالتحاور مع حركة «حماس»، ولكن ليس على حساب السلطة الوطنية ومنظمة التحرير وحركة «فتح». فاستخدام لعبة البدائل في الساحة الفلسطينية خطير للغاية. واذا كان الاميركيون أو غيرهم يعتقدون انه بامكانهم فرض شروط لا يمكن قبولها في الظروف العادية على عرفات، من خلال التلويح بأوراق أخرى، فإنهم واهمون، فالشعب الفلسطيني شديد الحساسية ازاء هذه المسائل المتعلقة بشأنه الداخلي.

إن من مصلحة عرفات والسلطة الوطنية وحركة «فتح» ومنظمة التحرير ان يكون هناك حوار بين «حماس» والولايات المتحدة، ولكن ليس على اساس لعبة البدائل، كما ان «حماس» تثبت انها ملتزمة بما تقوله وما تعلنه ان هي ترفض ان تفهم ان حوار الاميركيين معها هو بهدف خلق البديل لـ «ابو عمار» وسلطته ومنظمته وحركته حركة «فتح».

هناك مؤشرات مزعجة على هذا الصعيد وفي هذا المجال، فاستعراض القوة الذي قامت به «حماس» اخيرا في غزة فهمته حركة «فتح» على انه يستهدفها ويستهدف مكانتها وقيادتها للساحة الفلسطينية، فردت باستعراض قوة اكبر. ويقينا ومهما قيل، خلافا لهذه القناعة، انه لا يمكن الفصل بين استعراضات القوة هذه وبين المحادثات المتعثرة التي تجري في القاهرة، سواء كانت بين الفصائل الفلسطينية وحدها والحركتين المعنيتين على وجه الخصوص، أو بين «حماس» والـ «سي. آي. إيه»، لكن بغطاء فلسطيني هو الغطاء الذي توفره حركة «فتح» بمساعدة مصرية.

من حق «حماس» بل من واجبها ان تتحاور مع كل من ترى أنه مؤثر في القضية الفلسطينية، من «الموساد» إلى الـ «سي. آي. ايه»، ومن شارون الى جورج بوش وما بينهما، ولكن عليها ان تتذكر دائما، وهي تتذكر وتعرف هذا، إن أخطر ما في هذا الحوار ان يتم على ارضية لعبة البدائل وبأفق التقرب من «حماس» لمضاعفة الضغط على عرفات.