كوريا الجنوبية قد لا تتمكن من إدارة الأزمة

TT

عند طرح مسألة كوريا الشمالية، قد يفترض البعض ان خبرة كوريا الجنوبية قد تكون أفضل من الجميع. وبالتأكيد ان الكوريين الجنوبيين يعتقدون ذلك. وقد قال الرئيس المنتخب روه مو هيون مؤخرا: «نجاح أو فشل سياسة الولايات المتحدة المتعلقة بكوريا الشمالية ليس شأنا كبيرا بالنسبة للشعب الأميركي، لكنه مسألة حياة أو موت بالنسبة للكوريين الجنوبيين. وبالتالي فانه لابد لأي اجراء أميركي أن يضع في اعتباره رأي كوريا الجنوبية».

وقد يعتقد البعض منا أيضا انه اذا لم تكن كوريا الجنوبية قلقة للغاية من امتلاك كوريا الشمالية لترسانة نووية، فعلينا أيضا أن لا نقلق. فخلال سنوات الهدوء التقليدي، على أية حال، كانت الدول الكبرى (أميركا وفرنسا وبريطانيا) هي التي امتنعت عن القلق، وقد تضررت الدول الأضعف (تشيكوسلوفاكيا وبولندا) مما فعله المستبد السيء (هتلر). واذا ما كانت الدولة الصغيرة ـ كوريا الجنوبية ـ تنصح بالاعتدال فلماذا يتوجب علينا القلق؟ وهل سيعني اتباع نهج أكثر عنفوانا ان ادارة بوش أخطأت باتباع نفس طريقة تفكير زمن الحرب الباردة، كما لمح الى ذلك الرئيس الكوري الجنوبي كيم داي جونغ مؤخرا؟

حسنا، ربما. لكن التعامل مع حاكم شيوعي ينتمي لزمن الحرب الباردة قد يكون أسوأ من التفكير بطريقة الحرب الباردة. وفي عصر الارهاب الجماعي والصواريخ طويلة المدى، فان اتجاه أي نظام مستبد كما هو الحال في كوريا الشمالية، للقوة النووية، لم يعد مسألة «حياة أو موت» بالنسبة لأقرب جيرانه. بل انه شأن يمس الأميركيين واليابانيين، كما يهم الآخرين أيضا.

من حق كوريا الجنوبية أن تكون لها وجهات نظرها، وأن يتم التعامل مع وجهات النظر تلك باحترام يفوق ما لقيه الرئيس كيم في وقت مبكر من ادارة بوش. لكن ذلك لا يعني ان الكوريين الجنوبيين على حق.

اقتراب جنوب كوريا من جيش كوريا الشمالية قد يؤدي، في الواقع، الى تشويش رؤيتها لخطر الترسانة النووية. وطالما افترضت سيول انه في حال اندلاع الحرب، قد يتسنى لكوريا الشمالية تدمير معظم الجنوب، بما في ذلك العاصمة (التي يقطنها 10 ملايين نسمة)، حتى وان تعرضت كوريا الشمالية لهزيمة في نهاية المطاف. لذا فإن تكرار الحرب الكورية ظل دائما مستبعدا. واضافة أسلحة نووية الى هذه المسألة ضاعف من شدة استبعادها.

كما انه ليس من الصواب أيضا افتراض ان الكوريين الجنوبيين بالضرورة يضعون في الاعتبار المصلحه الكبرى لمواطنيهم. فجميع الكوريين تقريبا يفضلون نظريا وفي نهاية المطاف أن يتسنى لهم اعادة توحيد بلادهم. على اعتبار ان تقسيم شبه الجزيرة الكورية يعد مسألة مؤلمة بالنسبة لمشاعرهم الوطنية. لكن خلال التسعينات ترقبت كوريا الجنوبية باهتمام شديد ما لحق بالمانيا من أعباء شديدة وهي تسعى لدمج شرق البلاد، الذي عرف فيما قبل بالشيوعي، بالغرب المرفه. ولم تفكر كوريا الجنوبية كثيرا في اتباع النموذج الألماني: بل قررت ان المسار الصحيح هو أن يحدث التقارب التدريجي مع برنامج اصلاح الأوضاع في كوريا الشمالية، والذي يجرى العمل به بدعم من أطراف خارجية متفهمة.

ومسألة ما اذا كان ذلك النموذج هو الأفضل بالنسبة للكوريين الشماليين، أو حتى ممكنا، تعد موضع نقاش أقل حدة. فاقتصاد كوريا الجنوبية، التي يقطنها ضعف عدد سكان الشمال، أكبر 37 مرة من اقتصاد الشمال، كما قال وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد مؤخرا، وهو يواصل تفوقه يوما بعد يوم. وشعب كوريا الشمالية يعيش في ظل أسوأ الأنظمة المستبدة في العالم، حيث لقي الملايين مصرعهم نتيجة للجوع الذي تعرضوا له لسوء استخدام الأرض، ولعدم حصول أولئك المنبوذين سياسيا على ما يحتاجونه من الطعام. وهناك مئات الالاف ممن دفعتهم المعاناه للفرار الى الصين، رغم علمهم ان الصين تقوم باعادة ترحيل العديد من هؤلاء اللاجئين الى كوريا الشمالية ليلقوا حتفهم أو ليقبعوا في السجون. وهناك مئات الالاف ممن يلقى بهم الى مناجم الفحم ليواصلوا العمل حتى الموت. كما ان هناك أعداداً غير معروفة من اليابانيين ومواطني كوريا الجنوبية ممن أختطفهم عملاء كوريا الشمالية وذهبوا بهم أحياء للعيش في الشمال.

لكن الرئيس كيم، وهو المثقف الحاصل على جائزة نوبل للسلام والذي أمضى معظم سنوات حياته مدافعا عن حقوق الانسان، لم يتطرق كثيرا لانتهاكات حقوق الانسان في كوريا الشمالية، طوال سنوات رئاسته الخمس. ولو قام بذلك لكان القى ظلالا من الشك على سياسة الشمس المشرقة والتواصل مع كوريا الشمالية، التي تستند الى منطق ان المساعدات والتجارة وغيرها من الاغراءات والاتصالات قد تؤدي بالتدريج الى تليين رؤى المستبدين في الشمال.

وذلك قد يحدث، على اعتبار ان موقف كوريا الجنوبية قد لا يكون بالتأكيد خاطئا. ولا يوجد خيارات أخرى طيبة فيما يتعلق بالشمال، وبالتأكيد انها لا تخلو من الخطر. كما انه من غير المعقول، وربما من غير اللازم، أن تتبنى كوريا الجنوبية والولايات المتحدة سياسات متشابهة تجاه الشمال.

فالمسألة هنا تدور حول ان لدى كوريا الجنوبية مصالح محددة تشير الى أنها، وبالرغم من صلة القرابة والقرب الجغرافي مع الشمال، لا تعكس دائما مصالح شعب كوريا الشمالية الذي يعاني، أو مصالح الاستقرار العالمي. ونفس الحال ينطبق على اليابان والصين وروسيا، اذا ما أنحينا جانبا حديث الأمنيات.

لقد أحسنت ادارة بوش صنعا بالسعي من أجل تعاون الدول الأربع ـ المعنية بأزمة كوريا الشمالية ـ لكن اذا اعتقدنا انه من غير المقبول ان يتسنى لحاكم كالرئيس كيم جونغ ايل امتلاك ترسانة نووية ـ ويجب أن يكون ذلك غير مقبول ـ، فإن الولايات المتحدة وحدها هي التي ستقود الطريق الوحيد لنزع أسلحة ذلك النظام أو لتغييره.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»