الدولار والدواء

TT

كتب الي الاخ عبد الله زيني جفري يرد على انتقادي للشركات الصيدلانية الأمريكية ويقول: «تقوم هذه الشركات بعملها لغرض الربح وهو ما يجعلها ناجحة في ابحاثها ومنتجة في عملها. مطالبة هذه الشركات بالتخلي عن ارباحها لمساعدة الشعوب الفقيرة مثل مطالبة الشركات الانشائية ببناء بيوت للمشردين من مدخولها. تجريد الشركات من حقوق براءات الاختراع لا يختلف عن سرقة المنتجات من احدى الصناعات لاعطائه مجانا للفقراء».

هذا كلام صحيح تماما فالشركات ليست جمعيات خيرية. والشركة الصيدلانية التي لا تحقق ربحا لمساهميها سرعان ما تفلس وتصفى. وهذه خسارة للبشرية. الأبحاث الطبية تتطلب سنين من العمل الدؤوب وملايين الدولارات. وفي كثير من الأحيان يفشل البحث ولا تحصل الشركة على الدواء المطلوب. لا بد لها من تغطية ذلك من الأدوية التي تنجح. وهو ما يفسر السعر العالي للدواء الناجح.

غير ان بعض الأدوية (كدواء الإيدز) تباع بأسعار عالية الى الحد الذي يجعل الفقير الأفريقي غير قادر على شرائها. فانتاج الدواء محليا بسعر رخيص لا يسرق من الشركة الأمريكية أي زبائن. الفقراء غير قادرين على شراء دوائها والأغنياء سيفضلون الدواء الأمريكي على الدواء المصنوع محليا. ولكن هناك خطراً تخشاه الشركات الغربية. فانتاج الدواء محليا بسعر رخيص سيؤدي الى تصديره او تهريبه الى الدول الغربية فيقتل الدواء الأمريكي الغالي.

من الناحية الأخرى، حرمان الفقراء من الدواء يؤدي الى انتشار المرض بشكل وبائي. ونحن نعيش اليوم في عالم واحد. سرعان ما ينتقل الوباء الى العالم الغربي. فيتكلف الغرب الملايين في مكافحته، بالاضافة الى المأساة الانسانية. هذا ما حصل بالنسبة للايدز الذي يقال انه ظهر اولا في افريقيا وانتشر فيها ثم انتقل الى الغرب. يقال مثل ذلك عن الأنفلونزا الآسيوية التي تظهر في الصين اولا (بسبب تربية الدجاج والخنازير في مكان واحد) ثم تعم بقية انحاء العالم وتقتل الوف الناس وتعطل الملايين عن عملهم الانتاجي. فضلا عن ذلك، فان انتشار الأمراض في الدول الفقيرة يخفض قدرتها الانتاجية وبالتالي قدرتها الشرائية. ولهذا تأثيره السلبي على الصناعات الغربية والاقتصاد العالمي ككل.

اذن فتوفير ادوية رخيصة للدول الفقيرة ليس مجرد عملية انسانية. انه عملية اقتصادية حيوية. اتفق مع الأخ عبد الله جفري بأن هذا الهدف لا يتحقق بتجريد الشركات الصيدلانية من مردود ابحاثها، المطلوب كما تفضل واقترح، ان تتولى الدول هذه المسؤولية، اما بقيام الحكومات نفسها بالأبحاث على نفقتها او بمد الشركات بتعويضات عما بذلته من، نفقات في البحث او خسرته من ارباح بسبب تجاوز حقوق اختراعها. يمكن ايضا حل المشكلة بمد الدولة الفقيرة بمساعدات تغطي السعر العالي للدواء المستورد. هذه قضية تهم الاقتصاد العالمي كما قلت. ولكن الحكومات تتجاهلها لأنها مشغولة بمتطلبات المدى القصير وهو كسب الانتخابات القادمة على حساب المدى البعيد الذي يهم الاقتصاد العالمي ويوفر الاستقرار ويقلل من الفقر وبالتالي يزيل دوافع الارهاب.

ولكن الشركات لم تسلم من الفضائح. فكثيرا ما اجرت تجاربها على الشعوب الفقيرة دون ان تشاركها في المردود. جربوا مثلا عقارا جديدا للأيدز في افريقيا وعندما نجح، اخذوا ينتجونه ويفرضون سعرهم العالي حتى على المرضى الذين جربوه عليهم. وفي الهند اقتبسوا طريقة تقليدية في انتاج بذور تقاوم الوباء وسجلوا براءة باسمهم. ثم اخذوا يمنعون الفلاح الهندي من استعمال طريقته التقليدية ويفرضون عليه شراء البذور منهم. اضطر ذلك الحكومة الهندية الى دخول معركة قضائية ضد الشركة الأمريكية.

الربحية اهم عنصر لتقدم البشرية ولكنها كثيرا ما تتحول الى جريمة ضدها.