حتى لا تعرض قنابل نووية في مزادات الإنترنت

TT

خلال وجودي في كوريا الشمالية قبل سنوات، دخلت اكبر عدد من المنازل الخاصة بقدر الامكان، وفي كل منزل كانت توجد سماعات مثل جهاز الراديو، ولكنه يعمل بصفة دائمة وبدون اختيار للمحطات. وهو ببساطة الحبل السري الالكتروني بين الشعب والقائد العظيم، يتولى ايقاظ الناس كل صباح ويضعهم في الاسرة كل مساء بعديد من الاغاني الوطنية، وادانات «لمهوسي الحرب الاميركيين» وتقديرات للزعيم كيم يونغ ايل «اعظم العظماء الذي أنجبته السماء»؟

والان سيستيقظ الشعب الكوري من نومه ليسمع السماعة تعلن انه حتى صحيفة «نيو يورك تايمز» الامبريالية الرجعية اعتبرت الزعيم العظيم «زعيم العظماء الذي انجبته السماء».

والسماعة هي تذكرة بأن كوريا الشمالية ليست مثل اي بلد آخر في العالم اليوم. لقد كان من المخيف اجراء مقابلة مع مجموعة من الكوريين الشماليين وتسمعهم وهم يمتدحون كيم يونغ ايل باتساق مثل اجهزة الروبوت، وهو تقديس لا يتكرر الا في واشنطن عندما يجري المساعدون في البيت الابيض مقابلات مع اجهزة الاعلام.

وهو سبب اخر لاحتمال فشل سياستنا نحو كوريا الشمالية. فمنذ شهر اكتوبر (تشرين الاول) الماضي حاول البيت الابيض استخدام الضغوط الاقتصادية لاجبار الزعيم العظيم للتخلي عن برنامج اليورانيوم.

واعتقد، باعتباري واحدا من الاميركيين القلائل الذين زاروا كلا من كوريا الشمالية والعراق، ان المشكلة اعمق بكثير من مجرد التخبط في اولويتنا. ان ضغوط البيت الابيض لغزو العراق ازعجتني، ولكن لابد من الاعتراف بأن الضغوط كانت ذات نتيجة فعالة: فقد عززت نفوذ الامم المتحدة، واعادت المفتشين للعراق وجعلت احتواء العراق بديلا ممكنا.

ومن ناحية اخرى فإن سياسة البيت الابيض بخصوص كوريا الشمالية مربكة و تؤدي الى تفاقم الازمة.

وتصوري هو ان الرئيس بوش يؤجل قرار كوريا الشمالية الى ان تحل ازمة العراق، وهو يأمل في ان تؤدي الضغوط الصينية الى اقناع كوريا الشمالية، وهو ما لن يحدث. فلن تضغط الصين على كوريا الشمالية لانها لا تريد جارة منهارة وملايين اخرين من اللاجئين.

والاكثر من ذلك هو ان نفوذ الصين على كوريا الشمالية كان يتسم دائما بالمبالغة. ويتحدث الكوريون الشماليون بصراحة عن احتقارهم للمسؤولين الصينيين، وتبادل حرس الحدود الصينيين والكوريين الشماليين النار في بعض المناسبات.

واذا لم تغير الحكومة الكورية اتجاهاتها، فهذا ما سيحدث: ستعيد معالجة الوقود النووي النافد في مفاعل يونغبيون، مما سيمنحها كميات كافية من البلوتونيوم لما يتراوح بين 5 و 8 قنابل نووية بحلول اول شهر مايو (ايار) القادم. وستستأنف كوريا الشمالية بناء مفاعل اكبر بكثير في تيتشون، وتنشط برنامج اليورانيوم المخصب، وربما تنسحب من معاهدة عدم انتشار الاسلحة النووية، وتجري تجارب على صواريخ تايبودونغ ـ 2، المكون من ثلاث مراحل، يمكن ان يصل لنيويورك (وإن كان من الممكن الا يكون دقيقا، بحيث لا يصيب الهدف ويقضي على نيو ارك).

وخلال خمس سنوات، يمكن ان تمتلك كوريا الشمالية 100 سلاح نووي، بل واكثر من ذلك. ومع عدم وجود اي شيء آخر لتنشيط اقتصادها، يمكن ان تبيع كوريا الشمالية هذه الصواريخ الى مقدم اعلى سعر. «صاروخ تايبوردونغ ـ 2 مجانا مع كل ثلاثة رؤوس نووية تشتريها!»

مثل هذا السيناريو مرعب للغاية لدرجة انه بحلول الربيع القادم فإن البنتاغون سيعد بدائل لغارات عسكرية على يونغبيون، بالرغم من ان بوش تجنب مثل هذا المنطلق حتى الان، لان النتائج يمكن ان تؤدي الى حرب كورية جديدة. وهو ما يسميه وزير الخارجية كولين باول «ليس بأزمة».

المخرج الوحيد الذي يتبادر لذهني هو التفاوض مع كوريا الشمالية، بالرغم من قلق الادارة المشروع بخصوص مكافأة السلوك السيئ. يمكننا انقاذ ماء الوجه بطلب الزعيم الروسي فلاديمير بوتين بالدعوة لمؤتمر دولي حول كوريا الشمالية، ثم التوصل الى اتفاق يتخلى فيه الزعيم العظيم، بطريقة مضمونة، عن برنامجه النووي وبرنامج الصواريخ بعيدة المدى، في الوقت الذي يعرض فيه الغرب تطبيع العلاقات، والتجارة وتقديم قروض من مصرف التنمية الاسيوي والتعهد بعدم الاعتداء.

وهو حل يمكن الا يكون مرضيا للغاية، ولكنه اقل مرضاة من البديل الذي نتجه نحوه: مصنع نووي ينتج القنابل ويعرضها على مواقع المزادات في الانترنت، او الحرب الكورية الثانية.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»