حرب العراق والكارئة البيئية

TT

أعرب بعض المراقبين العالميين عن خشيتهم من قيام النظام العراقي بإضرام آبار النفط في البلاد أمام القوات الاجنبية الغازية في حال اندلاع الحرب لتأخير تقدمها وأشاعة الفوضى والاضطراب بين صفوفها، تماما مثلما فعل قبل عقد من الزمن في الكويت عندما اشعل النيران في أكثر من 600 بئر لدى انسحابه منها في واحدة من أكبر العمليات تدميرا للبيئة في التاريخ.

لكن العراق يملك مخزونا نفطيا هائلا من شأنه أن يجعل الضرر الحاصل أكثر بكثير مما حصل في الكويت بأضعاف، مما يجعل الكارثة متعددة الجوانب والوجوه، بحيث سيمضي وقت طويل قبل أن تستطيع الطبيعة لعق جراحها، هذا إن لم يكن الضرر الحاصل أبديا دائم الاثر.

إن الحرب مهما كان شكلها وطبيعتها فإنها ستسبب العديد من الكوارث الاخرى في حال استخدام الغازات السامة والاسلحة الجرثومية، فضلا عن ان حركة الاليات الثقيلة ستسبب أضرارا كبيرة في البيئة. وعلينا ألا ننسى ايضا ان القوات الغازية ستبادر طبعا الى استخدام اليورانيوم الناضب في قذائفها، مكررة ما حصل إبان حملة عاصفة الصحراء عام 1991 وحرب كوسفو عام 1998 وهو أمر ما زال يعاني منه البلدان حتى اليوم على شكل امراض سرطانية وتشوهات خلقية وغيرها.

حتى أن بعض أفراد القوات الحليفة أبان حرب العراق ـ الكويت عانت أيضا من أمراض غريبة لم تتمكن الهيئات الطبية من تشخيصها بدقة حتى الان دعيت «متلازمة حرب الخليج».

إن الذي يزيد الاوضاع سوءا ان العراق ذاته بلاد هشة على الصعيد البيئي، ورغم ذلك لم ترأف السلطات هناك بهذا الوضع فقررت بين عام 1973 وعام 2000 تجفيف 85 في المائة من مستنقعات الاهوار التي تبلغ مساحتها الاجمالية 8 الاف كيلومتر مربع والتي تشكل عادة موطن العديد من البدو الرحل الذين يعيشون على أسماكها وما يدره قصبها من مداخيل متواضعة. ثم ان هذه المناطق كانت تشكل مخزونا هائلا للمياه العذبة التي ما أن جففت حتى تحولت تلك الى صحراء قاحلة تعبث برمالها الرياح التي تجردها من خصوبتها وخيراتها.

وعلى سبيل الذكرى فإن النفط الذي تركته القوات العراقية ينساب الى مياه الخليج قبل انسحابها من الكويت لوث الشواطئ وقتل أكثر من 30 الف طير، فضلا عن مجموعات سمكية بحالها كادت ان تنقرض تماما من الوجود. وقد تمضي 180 سنة أخرى، كما يقول احد الخبراء العالميين بقضايا التلوث والبيئة، قبل ان يستعيد سمك الخليج عافيته ثانية.

أمر آخر وهو ان الآبار التي اشتعلت في الكويت كانت تقذف مايوازي 6 ملايين برميل من النفط يوميا الى الجو، أي ما يوازي 10 في المائة من الانتاج العالمي اليومي في ذلك العام، مما شكل غمامة سامة واسعة النطاق غمرت مناطق عالمية بحالها، في حين ان النفط السائل السائب غمر المناطق الزراعية المنخفضة اشبه بالبحيرات.

إن على واشنطن وحلفائها ان تحسب الف حساب لمثل هذه الامور قبل ان تدخل في مغامرة غير محسوبة النتائج على النطاق البيئي الصرف قبل ان نتحدث عن النتائج السياسية والديموغرافية والانسانية، وأن أفضل حل لكل هذه الملابسات ان لا تشرع بالحرب، وان تقرر حل المشكلة عن طريق الامم المتحدة لا عن طريق القوة.