السعودية لا تزال حليفا مهما

TT

باتت المملكة العربية السعودية خلال الفترة الاخيرة، هدفا وموضوعا مفضلا لوسائل الإعلام الاميركية، اذ علت اصوات مطالبة بتغيير السعودية المناهج الدراسية المتبعة في المدارس الدينية، والتعامل بشفافية كاملة في النظام المصرفي، ووضع مسؤولين حكوميين تحت رحمة محامين اميركيين يأملون في العثور على احد يدفع تعويضات مالية عن هجمات 11سبتمبر (ايلول).

ولكي نضع الاشياء في سياق يساعد على رؤيتها وفقا لعلاقاتها الصحيحة، من الافضل تناول هذه المطالب في إطار اكثر موضوعية وواقعية. فالولايات المتحدة الاميركية، شأنها شأن المملكة العربية السعودية، دولة متدينة، بها مؤسسات ومدارس اصولية راسخة وقوية. بعض قادة هذه المجموعات (الاميركية) نعت الاسلام بالشر وبأنه دين خطر، كما ان المجموعات نفسها، المسيحية منها واليهودية، لعبت دورا مهما في عملية توسيع المستوطنات الاسرائيلية المثيرة للجدل في الضفة الغربية. ترى، ماذا سيكون ردنا على مطالبة الحكومة الاميركية بتغيير المناهج الدراسية في مدارسنا الاصولية ووسط المجموعات الدينية؟

فيما يتعلق بشفافية النظام المصرفي، تعرض دولار هونغ كونغ عام 1997، الى ضربات متلاحقة اثر موجات المضاربات التي شنتها رساميل سرية تديرها الولايات المتحدة، اذ قال لي حينها رئيس مؤسسة النقد بهونغ كونغ، انه لا يفهم السبب وراء عدم إصرار الولايات المتحدة على التعامل بشفافية اكبر في نظامها المصرفي. وبحلول عام 1998، باتت الازمة المالية الآسيوية ازمة عالمية، اما في الآونة الاخيرة، فقد ألحق انهيار شركة «انرون» للطاقة، الذي تسببت فيه جزئيا تعاملات مالية غامضة وغير واضحة المعالم، اضرارا بالاسواق الاميركية والعالمية. رغم ذلك استمر «وول ستريت» والاحتياطي الفيدرالي في مقاومة المطالب بالتعامل بصورة منفتحة في هذه الاسواق السرية.

اما فيما يتعلق بتسليم مسؤولين حكوميين سعوديين لمحاكمة محتملة، بواسطة كيانات وهيئات قضائية اجنبية، فإن الولايات المتحدة الاميركية ظلت تقود حملة نشطة ضد إنشاء «محكمة العدل الدولية»، خوفا مما قد يتعرض له مواطنون اميركيون من جانب كيان قضائي من المحتمل ان يكون معاديا للولايات المتحدة.

من خلال حديثي مع عدد من القادة السعوديين مؤخرا، لمست شعورا بالصدمة وبجرح عميق مما يعتبرونه تحولا مفاجئا من الجانب الاميركي تجاه دول صديقة تربطها معها علاقات قديمة. فخلال العقود الخمسة السابقة، درس مئات الآلاف من السعوديين في الجامعات الاميركية، وباتوا يعتبرون الولايات المتحدة بلدا ثانيا لهم، كما ان الجانب السعودي ظل باستمرار يقف الى جانب الولايات المتحدة ولا يزال.

فعلى سبيل المثال، تعتبر المملكة العربية السعودية الدولة المنتجة الوحيدة التي تملك قدرا ضخما من السعة الانتاجية، القادرة على سد أي فراغ في حالات الطوارئ، اذ تقف السعودية على استعداد لمنع حدوث أي صدمات تتعرض لها سوق النفط العالمية نتيجة للحرب المحتملة في العراق، من خلال سد أي نقص متوقع من خلال سعتها الإنتاجية غير المستخدمة. فالولايات المتحدة تعتمد على الالتزام السعودي بمساعدة الاقتصاد الاميركي وبالإبقاء على اسعار النفط في الحدود المعقولة.

ظلت السعودية تلعب هذا الدور على مدى الـ25عاما السابقة. إذ باستخدام السعودية لسعتها الانتاجية الزائدة في ضبط سوق النفط، والإبقاء على الاسعار في الحدود المناسبة بقيت تكلفة الديزل للمستهلكين الاميركيين عند الحدود نفسها، تقريبا، التي كانت عليها قبل ازمة النفط، التي حدثت خلال عقد السبعينات من القرن الماضي. يضاف الى ما سبق ان السعودية منحت الولايات المتحدة تخفيضا قدره دولار على كل برميل نفط تستورده، اذ تمثل جملة هذا التخفيض هدية سنوية للولايات المتحدة بقيمة 500 مليون دولار.

وبمطالبة من وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون)، ظلت المملكة العربية السعودية من اكثر الدول المستوردة للمعدات العسكرية الاميركية، رغم الشكوك في استخدام جزء كبير من هذه المعدات. وبالطبع، كلما واجهت شركة بوينغ مشكلة تحسب السعودية ضمن الدول التي ستشتري المزيد من الطائرات. كما ان السعودية شيدت شبكة الطاقة الكهربائية على اساس مواصفات اميركية لتسهيل المشتروات من معدات وتجهيزات كهربائية من الولايات المتحدة.

الكثير ممن يتساءلون حول ما اذا كنا قد نسينا بهذه السرعة حقيقة ان الامير عبد الله لم يقدم خطة عربية غير مسبوقة لتحقيق السلام العام الماضي، وحسب، وإنما اقنع الجامعة العربية بكاملها بالتوصل الى تطبيع كامل للعلاقات مع اسرائيل. هذه الخطة معلقة الآن في انتظار موافقة اسرائيل والولايات المتحدة على المشاركة في مؤتمر حول هذا الشأن.

ليس ثمة شك في ان الجانب السعودي في حاجة الى التأمل الذاتي. ولكن من الافضل لنا ان نتذكر انه على الرغم من الصعوبات الاخيرة، فإن السعوديين ظلوا اصدقاء وحلفاء لنا نحتاج الى حسن نواياهم ودعمهم.

* كبير المفوضين التجاريين خلال إدارة الرئيس الاميركي السابق رونالد ريغان والرئيس الحالي لـ«معهد الاستراتيجيات الاقتصادية»