لماذا يكره السعوديون الأميركيين؟

TT

حسنا فعل الامير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد السعودي إذ تخلى عن مجاملات السياسة فلم ينف ان هناك كراهية شاملة عارمة عند مواطنيه السعوديين تجاه الصديقة الولايات المتحدة، في مقابلته التلفزيونية الاميركية، بل كان صادقا عندما اكد صحتها قائلا ان هناك سببين اولهما قضية فلسطين، وثانيهما الحملات الاعلامية الاميركية ضد السعوديين التي تصفهم جماعيا بالإرهابيين.

اعترف الامير بحقيقة جرت العادة ان يفضل المسؤولون نفيها والتأكيد دائما على عمق وحسن الروابط الرسمية والشعبية. ونعرف ان الروابط الرسمية دائما جيدة، اما الشعبية فليست على ما يرام، وخاصة بعد اعادة احتلال اسرائيل كل المناطق الفلسطينية في السنتين الاخيرتين وما صاحب ذلك من عنف دموي غير مسبوق تحت حكم شارون.

وفي تصوري الشخصي ان السعوديين، كبقية العرب الآخرين، ربما لا يؤيدون غزو العراق وتغيير النظام، ومع هذا فهم ليسوا متحمسين للدفاع عن صدام ونظامه، ويعرفون ان لحكومة بغداد سجلا سيئا في المنطقة، ولكن من المؤكد ان الموضوع الفلسطيني هو المحرك والحاسم دائما حيث اصبح قضية اساسية في حياة الجميع الذين لهم مبرراتهم القوية، فهم متورطون عاطفيا واقليميا في هذه القضية ويرون ان فلسطين صارت آخر بلد محتل في العالم، وهي الوحيدة التي تتجنب الامم المتحدة ازالة الاحتلال عنها بالقوة، ويرون شبه اجماع دولي على حق الفلسطينيين في دولتهم المستقلة من دون ان يترجم ذلك على ارض الواقع، فلا احد يستطيع ان يفرض على اسرائيل ما فرض على العراق في عام تسعين بانهاء احتلاله الكويت، ولم يفرض احد على اسرائيل ما فرض على حكومة بلغراد في البوسنة ثم في كوسوفو، ولم يعط احد الفلسطينيين نفس الحق الذي منح لأهالي اوروبا الشرقية بعد اسقاط الهيمنة السوفييتية عليهم، ولم يمنحوا نفس الفرصة العادلة التي منحت اغلبية سكان جنوب افريقيا بحكم انفسهم.

وخُصت الولايات المتحدة بالغضب من دون غيرها لأنها الدولة الوحيدة في العالم القادرة على تغيير هذا الواقع الخاطئ، بالضغط على اسرائيل بالانسحاب من الاراضي المحتلة. وما جعل السعوديين في حيرة من امر الحكومة الاميركية، انها لم تتلقف المبادرة السعودية التي كانت جريئة في طروحاتها، وعادلة في حلها للطرفين معا، بل تبنت ارباع حلول مثل «خريطة الطريق»، التي نعرف جيدا انها ستضيع الوقت وستسمح لحمام الدم بالاستمرار وستبدد فرص السلام. المبادرة التي اهملها الاميركيون كانت في غاية الجرأة، قدمت للعالم ضمانات عربية جماعية، حيث وافقت عليها كل الدول العربية، واستندت الى حل سهل هو اعادة الاراضي المحتلة مقابل الاعتراف الجماعي باسرائيل ونهاية النزاع. هذا ليس رأي السعوديين وحدهم بل رأي المعتدلين في اسرائيل نفسها ايضا.

واذا كان السعوديون تحديدا، من دون غيرهم، يشعرون، بغالبية تصل الى اكثر من 84 في المائة، بغضب شديد إزاء اميركا، فمعنى ذلك ان هناك خللا ما لا بد من مراجعته، فالسعوديون لا توجد لديهم ضغائن موروثة مع الاميركيين، فهم لم يرضعوا من حكم شيوعي، ولم يشاهدوا الاميركيين قط في شوارعهم مسلحين كما شاهد بقية العرب الروس وغيرهم في ساحات مدنهم. ظلت العلاقة بين الطرفين على مستويات رسمية وشعبية حسنة دائما، فالكراهية ليست موروثة ولا مزروعة، بل ظهرت نتيجة خلل في الموقف الاميركي في قضية من صالح العالم اجمع ان يجد لها حلا. يستطيع الاميركيون ان ينتصروا على بؤر الارهاب والكراهية ضدهم في المنطقة، وكلنا نرى ان خصوم اميركا استخدموا القضية الفلسطينية مركباً لتأجيج المشاعر وتجنيد الناس ضدها وإن كانت لهم اجندة مختلفة.