التناقض وما أكثره

TT

كتبت لي السيدة أمل زاهد تسألني عن مقالة سابقة كتبتها عن تصغير المرأة. قبل ان اجيبك على هذا السؤال وادلك على الوصفة، اود ان اسألك ـ إذا تسمحين ـ هل تريدين ان تصغري نفسك؟

ولماذا؟ ألتصبحي بحجم طابع البريد فتسافرين على ظهر رسالة بريدية بدون حاجة الى محرم؟

السؤال عن تصغير المرأة أهون بكثير من سؤال الاخ احمد عبد العزيز من تبوك. يريد ان يسمع رأيي في تناقض السياسة الاميركية وسياسة الغرب عموما، يقول:

«لقد راهنوا يوما على صدام حسين في بداية عهده بسبب الاصلاحات التي شرع فيها فساندوه وتصوروا انه سيقيم دولة علمانية توازن تأثيرات المد الثوري الايراني الى المنطقة الغنية بالنفط. وشجعوه على دخول حرب عبثية مع جارته.. فعلوا مثل ذلك بالسادات في تشجيعه على الهجوم على الشيوعيين والمسيحيين..».

يمضي الاخ القارئ فيستشهد بأمثلة أخرى عن هذه السياسة، ثم يتراجع الغرب عنها وينقلب على من شجعوه، ما هو تفسير ذلك؟

هناك قول شائع: «يوم واحد في دنيا السياسة يعتبر مدة طويلة جداً». العالم يتغير باستمرار وتستجيب السياسات لهذا التغير وتعكسه.

المصيبة هي ان عمر الساسة في الحكم لا يتجاوز في الدول الديمقراطية خمسة الى عشرة أعوام. على رئيس الحكومة ان يعمل ويبدع وينجز واجبه في هذا الاطار الضيق. وهذا يفرض عليهم التركيز على المدى القصير ويترك شأن المدى البعيد لمن يأتي بعده. هذه هي المصيبة الكبرى. فعندما كان لويد جورج يخوض الحرب العظمى لم يعبأ بشيء غير كسب تلك الحرب. وجد ان اليهود قد يساعدونه على ذلك اذا كسبهم. فأصدر وعد بلفور، دون ان يعبأ بما سيترتب على ذلك على المدى البعيد. كسبت بلاده الحرب ولكنها خسرت العالم العربي وتركت هذه المشكلة الكأداء. يقال مثل ذلك بالنسبة لدعم الاصوليين في الحرب الباردة، ربحها الغرب ولكنهم الآن يواجهون مشكلة الاصوليين. السياسي يشبه سائق التكسي. تنحصر مهمته في ان يوصلك الى العنوان الذي تريده. لا يعنيه ماذا ستفعل هناك، تسرق، تقتل، تزني، كل هذا خارج نطاق مسؤوليته.

هذه مسألة أثارها معي السيد مشعل الشريف. اشار الى ما لاحظه من تناقض في بعض مقالاتي. يسألني هل هذا بسبب معيشتي في الخارج؟

لا، بل أكثر من ذلك. قل بسبب معيشتي في هذا العالم. العالم الذي يكون فيه اليوم الواحد مدة طويلة، فكما قلت، التغيرات المستمرة تفرض علينا الاستجابة لها بتغيير افكارنا. حقق العراق في السبعينات رخاء كبيرا على يد صدام حسين. في التسعينات دمر كل ذلك الرخاء. كيف لا تغير رأيك أمام هذا التغير؟ قبل ثلاثين عاما نصحني الطبيب بأن اتحاشى الليفيات الخشنة. الآن ينصحني بألا آكل غيرها!

هناك شيء آخر، وهو ان هذه زاوية فكاهية. وعالم الفكاهة عالم فوضوي تنكت على المرأة الآن وبعد دقائق تنكت على الرجال!

للأخ جاسم هواس اعتراض من نوع آخر فهو يستهجن ما قلته عن المعارضة العراقية وينظر الى مشكلة العراق في اطار الهيمنة السنية على البلاد. بالطبع ان هذا اطار لم أجد نفسي فيه طيلة حياتي، ولكن انتقادي لفئات المعارضة العراقية هو انعكاس للرأي العام العربي تجاهها. لا ادري اين تعيش يا أخي جاسم، ولكن هنا في لندن قلما سمعت من اي عراقي أو عربي خارج اطار العاملين ضمن منظمات المعارضة، يقول شيئا محترما عنها. اعتراضي الاساسي نحوها هو انها اعطت صورة سيئة جداً للشعب العراقي، كشعب مشرذم، منقسم على نفسه، منهمك بالمهاترات والكيد بعضا لبعض، غير قادر على القيام بأي شيء غير الكلام والجري وراء المكاسب الفردية. انها ليست الصورة التي تتمناها لهذا الشعب الحي.