الانتخابات الإسرائيلية في ميزان الحرب والسلام

TT

تأتي الانتخابات الاسرائيلية يوم 28 يناير (كانون الثاني) الحالي وسط ظروف بالغة التعقيد والتناقض من مختلف وجهات النظر، سواء داخل المجتمع الاسرائيلي، او في علاقات اسرائيل مع دول المنطقة والمجتمع الدولي، أو في التوقعات الخطيرة المحتملة بغزو العراق، وهي بالتأكيد سوف تكون عنصرا فاعلا الى حد بعيد في نهج السياسة الاسرائيلية المؤثرة في المنطقة خلال العقود القادمة.

وابرز الظواهر التي تصحب الانتخابات الاسرائيلية حرص شارون على تصعيد حملاته العسكرية واجراءاته القمعية بهدف تحقيق نصر لتحالف الليكود يشكل له اغلبية قوية في الكنيست، ولكن الامور فيما يبدو لا تمضي حسب ما خطط له فقد ألغت المحكمة العسكرية العليا قرار اللجنة المركزية للانتخابات بحظر ترشيح عضوي الكنيست عزمي بشارة واحمد الطيبي، وحظرت ترشيح عضو الليكود شاؤول موفاز وزير الدفاع الاسرائيلي، وبذا تبددت رسالته التي كانت موجهة اساسا الى المواطنين العرب داخل اسرائيل والذين لا يخفون مواقفهم القومية في اطار الدستور الاسرائيلي، وذلك بهدف تقليص التمثيل العربي داخل الكنيست.

وتأتي بعد ذلك الفضائح التي اثارتها التحقيقات التي جرت في صفوف الليكود وطالت رافي بارنايت المدير العام لحزب الليكود ونائبة وزير السياحة نوعمي بلومنطال وابن ارييل شارون بمحاولة شراء الاصوات في الانتخابات الداخلية للحزب التي حددت قائمة الليكود المرشحة لخوض انتخابات الكنيست والتي تؤيد سياسة شارون العدوانية المستمرة على شعب فلسطين والتي تسعى الى توسيع نطاق الحملة العدوانية ضد العراق لتشمل أيضا سوريا والفصائل الفلسطينية، فقد اعلن شارون في مقابلة اجرتها معه القناة الثانية للتلفزيون الاسرائيلي بأن لديه معلومات لم تتأكد بعد تفيد بأن العراق هرب في الآونة الأخيرة أسلحة كيمائية وبيولوجية الى سوريا وذلك للحيلولة دون اكتشافها من قبل مفتشي الأمم المتحدة، وان جهات فلسطينية تنسق مع العراق لشن هجمات في داخل اسرائيل وأن خلية فلسطينية تدربت في العراق لتنفيذ هجوم على مطار بن جوريون، ولكن الامر فيما يبدو أيضا ليس معبدا لشارون، فقد اصدر رئيس لجنة الانتخابات قرارا بمنع اذاعة مؤتمره الصحفي الذي يدافع فيه عن نفسه بعد بدايته.

وهكذا تستهدف حملة شارون الانتخابية تجسيم اخطار وهمية تتعرض لها اسرائيل من عدوان خارجي للتأثير على المواطن الاسرائيلي البسيط عن طريق التخويف والحصول على صوته، وقد نجح الليكود في ذلك حتى الآن في استطلاعات الرأي العام حتى كتابة هذه السطور، ومع ذلك فان آخر استطلاعات للرأي العام تشير الى اقتراب الفارق بين الليكود والعمل حيث انخفض عدد المقاعد المتوقعة لليكود من 41 الى 27 مقعدا.

وهنا يجب الاشارة الى ان الدعاية الانتخابية لا توجه الى المواطن داخل اسرائيل فقط وانما الى المستعمرات في الضفة الغربية وغزة حيث تشير الاحصائيات الى ان هناك 231 مستعمرة في الضفة الغربية يقطنها 167 ألف مستعمر وفي القدس 29 مستعمرة يقطنها ألف مستعمر وفي قطاع غزة 25 مستعمرة يقطنها 6900 مستعمر باجمالي نحو 356 ألف مستعمر يشكلون 9 في المائة من سكان غزة، و17 في المائة من سكان الضفة الغربية، ولا شك ان لأصواتهم تأثيرا كبيرا في تحديد الموقف.

ومع ذلك فان تأثير الانتخابات الاسرائيلية لا يقتصر على داخل الحدود، وانما يمتد خارج الحدود ايضا، حيث اجمعت دول المنطقة على استمرار رفضها وفضحها لسياسة شارون العدوانية كما اجمعت السلطة الفلسطينية على ذلك، واستقبلت مصر عميرام ميتسناع رئيس حزب العمل الذي وضع برنامجها يقبل فيه عودة مفاوضات التسوية السلمية، ويعيد به الى الحزب الذي باعه شيمون بيريز الفرصة لأن يؤدي دورا هاما في الحياة السياسية الاسرائيلية، وقد تكرر هذا الموقف مع انجلترا ايضا وظهرت بوادره في ديسمبر الماضي عندما زار نتنياهو وزير خارجية اسرائيل بريطانيا ورفض بلير مقابلته، بينما وجه دعوة لزعيم المعارضة ميتسناع لزيارة لندن ولقاء بلير في لندن بعد ان رفض لقاء نتنياهو.

استقبل توني بلير رئيس حزب العمل ميتسناع وتجمعهما الدولية الاشتراكية ورفض اعتراضات شارون بدعوى التدخل في الانتخابات الاسرائيلية.

ولا شك ان الابواب المفتوحة لحزب العمل في المنطقة، وفي المجتمع الدولي تختلف عن الابواب المغلقة في وجه الليكود الذي لا يجد بابا واحدا مفتوحا الا عند الادارة الأميركية التي تناصره في ظلمه بأسلوب يثير الدهشة والعجب، ويفقد الادارة الأميركية فرصة الظهور في مظهر الحياد المطلوب من الدولة التي ترسم لنفسها سياسة الهيمنة على العالم، والمفروض فيها انها الدولة الراعية للسلام.

وبتواصل موقف الرفض لشارون خارج اسرائيل بعد رفض شارون لسفر وفد فلسطيني الى لندن لحضور المؤتمر الذي دعت إليه الحكومة البريطانية وأخطرت به الدول المشاركة في اللجنة الرباعية، أميركا والأمم المتحدة ورسيا والاتحاد الأوروبي مع كل من مصر والسعودية والأردن والسلطة الفلسطينية، للبحث في تطوير الاصلاحات في السلطة الوطنية الفلسطينية رغم طلب تقدمت به الحكومة البريطانية تطلب فيه من الحكومة الاسرائيلية تغيير موقفها، وحسب ما نشرته جريدة «ها آرتس» فان وزير الخارجية البريطاني جاك سترو اوضح ان القرار الاسرائيلي لا يعالج الارهاب وانما يأتي بنتائج عكسية لأنه بدلا من التركيز على الارهاب يعرقل تحركات القوى الفلسطينية التي تسعى الى الاصلاح، كما وضح بعد العمليات الفدائية في تل أبيب، وجعل حوار الفصائل الفلسطينية اكثر إلحاحا وضرورة من أي وقت مضى.

هذه التناقضات التي طفت على السطح نتيجة تصرفات شارون لا بد ان تؤثر في الانتخابات الاسرائيلية وتدفع المواطن الاسرائيلي الى معاودة النظر في موقفه قبل ان يضع صوته في صندوق الانتخاب.

والامر في النهاية يرتبط بسلام المنطقة ومستقبلها، لانه يرجح كفة من كفتين، اما دعاة الحرب والقتل والدمار، وإما أنصار الهدوء والسلام والاستقرار.