تغيير النظام العراقي ممكن بدون الحرب

TT

هل باتت الحرب حتمية مع العراق؟

حتى الآن يبدو أن ذلك هو واقع الحال. وعلى المرء ألا يخطئ التقدير، فلو توفرت القناعة لدى الرئيس جورج دبليو بوش، بأن صدام حسين يشكل تهديدا لأميركا أو لحلفائنا، فإن الواجب سيحتم عليه شن الحرب.

المشكلة أن الرئيس أتاح لنفسه أن يختار بين الحرب وبين المتاهة. فمواطن الضعف في عملية التفتيش الدولية جلية. ولا يمكن لمفتشي الأمم المتحدة أن يضمنوا سلامتنا، مهما كان عدد العلماء العراقيين الذين سيتم استجوابهم. وحتى لو تمكن المفتشون من اكتشاف جميع أسلحة العراق خلال الأشهر القليلة المقبلة، فما أن تبدأ القوات الأميركية في مغادرة الخليج، حتى يقرر صدام ـ وقد شعر بالقوة لنجاته من تحد آخر ـ إنتاج أسلحة نووية وكيماوية وبيولوجية.

وانطلاقا من هذه الرؤية، يجب أن تبدو مسألة الحرب جلية أمام الرئيس. فقواتنا باتت تقريبا في موقع قتالي وستحقق النصر ما أن يندلع النزاع. كما أن حدة الانتقاد الدولي للادارة الأميركية باتت تخف مع استمرار صدام في إخفاء الحقيقة. وقد يؤدي نصر سريع إلى تعزيز موقف الادارة وهي تلملم جهودها في مواجهة كوريا الشمالية.

لكن الحالة الراهنة قد تضعنا في حالة حرب لسنا في حاجة اليها (خاصة إذا ما كان التهديد الذي يشكله صدام أقل حدة)، في الوقت الذي تتطلب فيه تهديدات أخرى (كالقاعدة التي ما تزال قيادتها طليقة، وكوريا الشمالية) أن نهتم بها، إضافة إلى أن التزاما طويل المدى بهذا الخصوص قد يكون باهظ الثمن ومحفوفا بالمخاطر.

وفي مواجهة هذه المخاطر، يجب ألا يتخذ الرئيس قراره بشأن الحرب من دون أن تكون لديه حرية الاختيار. وعليه أن يطالب مستشاريه بوضع خيار ثالث ذي جدوى.

ولو مضت الإدارة الأميركية الى الأمام بشكل حذر، فقد يتسنى لها حشد تأييد دولي لسياسات ستؤدي إلى تغيير عاجل للنظام العراقي بدون الغزو.

ويمكن لسياسة بهذا الخصوص أن تشمل عناصر عدة، يمكن تضمينها في قرار جديد لمجلس الأمن الدولي، وقد تتضمن هذه العناصر المكونات التالية:

ـ السيطرة على أموال صدام. فتغيير النظام سيتبعه الإجراء المتعلق بالمال. فبالرغم من العقوبات الدولية المشددة المتعلقة بالتجارة والاستثمار، فإن لدى صدام الكثير من المال تحت تصرفه. ويتوجب على المجتمع االدولي أن يشدد من حدة الرقابة، كتلك المتعلقة بالتخفيضات الخاصة بالمعدات والخدمات مقابل عقود النفط، أو حدود القروض المتاحة (مشروعة كانت أم لا)، مقابل مصلحة في نفط العراق. وسيكون على الخبراء من المطلعين على المعلومات الاستخبارية أن يناقشوا التفاصيل، لكن قد يتسنى الاكتفاء بالتحقق من عقود النفط والغذاء طويلة المدى، بحيث يتم الاصرار على أن تورد إيرادات التهريب لحسابات تخضع لسيطرة الأمم المتحدة، ويتم اكتشاف الطرق الكفيلة بوضع حد لعلاقات بغداد المصرفية.

قد يتسنى لصدام إخفاء بعض صفقات الدفع والتسلم، لكن نظام القروض يشكل العمود الفقري لأية دولة حديثة. فقد انهارت أنظمة مستبدة كنظام سلوبودان ميلوسيفيتش (الذي اتبعت الإدارة الأميركية سياسة متقنة بشأنه، ونظام سوهارتو) خلال أشهر معدودة بعدما فقدت قدرتها على التواصل مع النظام المصرفي العالمي ومع أنظمة القروض.

ـ تدمير مواقع الأسلحة المشتبه فيها. فطائرات التحالف لا تقوم الآن بمهاجمة مواقع الأسلحة في أنحاء العراق، رغم أنه يتوجب عليها ذلك. وقد يتجنب صدام هذه الضربات إذا ما سمح للمفتشين الدوليين بحرية التفتيش. وهذا النوع من التهديد يمكن مواصلته، إذ يمكن للقوات الجوية أن تبقى طويلا بعد مغادرة القوات البرية، وقد أمكن لطائرات التحالف بالفعل أن تواصل التحليق فوق العراق طوال 12عاما.

ـ تأسيس الديمقراطية. وقد يكون من السذاجة الإصرار على ربط نشر الديمقراطية في أنحاء البلاد برحيل صدام. فمناطق الأكراد والشيعة، على أية حال، تستحق دعما دوليا هائلا من أجل إقامة مؤسسات محلية ديمقراطية، بما فيها دعم الأمم المتحدة وغيرها من الهيئات، ومن أجل إجراء الانتخابات وتطوير الأداء الحكومي.

وهؤلاء يجب أن يحصلوا على دعم دولي لاستبدال أجهزة الأمن التابعة لصدام بأجهزة يمكنها التأقلم مع الديمقراطية، كما يجب أن يحظوا بهيئة قانونية دولية يمكنها الدفاع عنهم في مواجهة نظام بغداد. فهم الآن يحصلون فقط على دعم جوي محدود مبني (كما الحال في المناطق الكردية) على تبرير قانوني يجري العمل بموجبه منذ عام .1991 ويتوجب أن تحصل المؤسسات الديمقراطية المحلية على حصتها من إيرادات نفط العراق.

ـ إدانة صدام ومعاونيه. ويمكن لإدانة صدام بتهم الإبادة الجماعية وبغيرها من الجرائم أن تشجع المعارضة الداخلية، وأن تطمئن أولئك الذين لن يخضعوا للإدانة، وبشكل أهم قد يؤدي ذلك إلى كبح جماح الجهود الدولية الرامية لإبقاء صدام في السلطة. وكما لاحظ القائد السابق لقوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) الجنرال ويزلي كلارك، فإن عزم شركائنا على هزيمة ميلوسيفيتش ازداد صلابة بشكل كبير مع إدانته خلال حرب كوسوفو.

من ناحية تكتيكية، قد لا ترغب الإدارة الأميركية في طرح مقترحات بهذا الخصوص. وقد تبدي دول أخرى أعضاء في مجلس الأمن (كألمانيا التي أصبحت الآن عضوا وتسعى للتأثير في الشؤون الدولية)، مستعدة للخروج بأفكار تتيح مجالا للاختيار قبل أن تتخذ الإدارة الأميركية قرارها.

وقد يكون من المبكر للغاية القول إن على الرئيس التأمل في أي من هذه الخيارات التي طرحتها. ولكن عليه أن يحكم عقله ـ لا قواته المسلحة ـ وهو يفكر في مزايا جميع البدائل التي قد تعزز سلامتنا.

وقد يتبين للرئيس أن هذه الرؤية ستحمي أميركا وحلفاءنا، وستؤدي إلى الإطاحة بصدام، وستحشد التأييد الدولي الواسع والمتين (سياسيا وماليا) لمسألة الديمقراطية في الخليج، وستثبت للعالم أن الادارة الأميركية تستطيع أن تنشد تغيير النظام من دون القيام بغزو، وهو درس مفيد قد ينطبق على حالات أخرى (كما هو الحال في كوريا الشمالية) حيث لا تبدو متحمسة للتهديد باستخدام القوة.

وقد يقول البعض إن وقت الحديث عن مثل هذه المبادرات قد ولى. فالوقت قصير، ومع مرور الأيام يبدو أن الادارة الأميركية، على اية حال، تعزز موقفها الدولي بشأن عزمها الجلي على استخدام القوة. لكن الوقت قد حان لنرى ما يمكن أن يؤدي اليه هذا الطرح.

* مستشار سابق لدى وزير الخارجية الأميركي خلال فترة رئاسة كلينتون

ـ خدمة «غلوبال فيو بوينت» و«تريبيون ميديا» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»