المكيال الأمريكي بين كوريا والعراق

TT

بشجاعة تستحق الاشادة انتقدت وزيرة التنمية الدولية البريطانية كلير شورت الولايات المتحدة واوروبا لانتهاجهما الكيل بمكيالين في ما يتعلق بقضايا العرب والمسلمين، مما يغذي موجة الغضب المنتشرة، وتأتي هذه الانتقادات والادارة الامريكية تواجه ورطة امام اصرار كوريا الشمالية على الاستمرار في مشاريع الاسلحة النووية، وتزداد هذه الورطة حرجا عندما تدير كوريا الشمالية ظهرها لكل التحذيرات وتنسحب من معاهدة الحد من انتشار الاسلحة النووية، فالعالم كله يواجه مشكلة مماثلة في العراق الذي تتهمه الولايات المتحدة بامتلاك اسلحة الدمار الشامل، ورغم تشابه الحالتين إلا ان الموقف الامريكي مختلف مع كل حالة، ففي الحالة العراقية تصر الادارة الامريكية على علاج الامر بالحرب، ولهذا فهي تعبئ المنطقة الشرق اوسطية عسكريا وسياسيا واعلاميا، اما في الحالة الكورية فإنها تتحلى بالصبر والحكمة وتصر بليونة واضحة على الحل الدبلوماسي، وهو امر اثار المراقبين والمراسلين في واشنطن، اذ تعمدت الصحافة وبالحاح على اثارة التساؤلات حول هذا الموقف ولم تجد الا اجابة واحدة هي الحكمة والتروي والدبلوماسية، ففي 30 ديسمبر (كانون الاول) الماضي سئل الناطق الرسمي بلسان الخارجية الامريكية فيليب ريكر عما اذا كان سيعاد النظر في الموقف من كوريا الشمالية على ضوء ما حدث من عناد لها في الايام الاخيرة، غير ان ريكر، اكد انه لم يقترح احد عقوبات ضد هذا البلد البئيس وعندما ضغط عليه الصحافي متسائلا عن مدى ثقته من اجابته اكد بقوله «لا توجد عقوبات» مستشهدا بمقابلات وزير الخارجية كولن باول في 29 ديسمبر التي اكد فيها ان واشنطن تبحث عن حل ديبلوماسي، وهو ما انعكس واضحا في ردود الرئيس جورج بوش نفسه على اسئلة الصحافيين بمزرعته في 31 ديسمبر، اذ قال ان حسم مسألة كوريا الشمالية لا تتم عسكريا بل تحسم ديبلوماسيا، وعندما سئل: لماذا لا يضع اعتبارا للحل العسكري ضد نظام مارق غير مستقر ويصعب التنبؤ بخطواته ومسلح نوويا مثل ما هو نظام كوريا الشمالية؟ كرر الرئيس نفس اجابته مؤكدا ان المجتمع الدولي وبالاخص تلك الدول القريبة من كوريا الشمالية يتفهمون الورطة هناك، وان اجماعا قويا ليس بين الدول القريبة والصديقة فحسب ولكن كذلك بين المنظمات الدولية مثل IAEA وهو ان كوريا الشمالية يجب ان تنصاع للشرعية الدولية من خلال الطرق الديبلوماسية ولما كانت مثل هذه الاجابات لم ترو ظمأ الصحافيين سألوه مباشرة عن الخيار العسكري فأجاب بحزم: اعتقد ان هذه مسألة لا تحسم بالحل العسكري، انها تحسم بالديبلوماسية ونحن عازمون على حسمها سلميا واننا نحرز مع اصدقائنا تقدما جيدا بالمحادثات معهم. وقد كرر مثل هذه التصريحات فيما بعد رغم ان الكوريين اعلنوا خلال انسحابهم من معاهدة الحد من انتشار اسلحة الدمار الشمال انه لا يوجد تقدم بالمحادثات ولذا فهم يطالبون بالمفاوضات ولا يجد هذا التحدي في الموقف الكوري سوى استجابة وقبول عند الامريكان الذين لمحوا على لسان مساعد وزير خارجيتهم جيمس كيلي بامكانية التفاوض بدلا من التحادث، بل بانه كما نشرت جريدة الواشنطن بوست في الثاني من يناير ان خطة الرئيس تتجه نحو ارسال المساعدات الغذائية لكوريا.

أليس كل هذا مدعاة للتساؤل لماذا الليونة والتراخي في الشرق الاقصى والتشدد والتصلب في الشرق الاوسط؟ لماذا يكون تنظيف العراق من اسلحة الدمار الشامل بالحرب بينما يكون تنظيف كوريا الشمالية بالديبلوماسية؟ أليس هذا كيلا بمكيالين؟

غير ان هناك حقائق يجب ان تذكر في هذا الصدد، فحلفاء واشنطن في الشرق الاقصى مصرون على المشاركة بالقرار ووضع مصالحهم الاقليمية في الاعتبار، فقد اعلن الرئيس الكوري الجنوبي المنتخب ان مشكلة الاستقرار في كوريا الشمالية هي في الاصل قضية داخلية تعني الامة الكورية وليست شأنا دوليا، واكد ان لا تتوقع الولايات المتحدة عند قيامها بعمل انفرادي ان تتبعها كوريا الجنوبية، «يجب ان نستشار مقدما وعلى الولايات المتحدة الامريكية ان تحترم وجهة النظر الكورية الجنوبية» وهو رأي كرره الرئيس الكوري الحالي واكده مستشاره في تصريحات لهما، غير ان هذا ليس هو العامل الوحيد في الموقف الامريكي فامتلاك كوريا لاسلحة الدمار الشامل بشكل حقيقي «وليس بشكل مشكوك فيه كما في العراق» هو عامل اساسي آخر، يقول احد الخبراء السابقين بالامن القومي في ادارة آل غور ليون فيورث ان الرئيس خائف في الاصل من فشل استخدام استراتيجية الحرب الوقائية ضد كوريا الشمالية بصفتها دولة تبني وتنشر تكنولوجيا نووية واسلحة دمار شامل، فالحرب ضد شبه الجزيرة الكورية تكاد تكون فكرة مرعبة لمجرد التفكير فيها.