استراتيجية «يا الله السلامة» !!

TT

إسرائيل ذاهبة إلى الانتخابات، بالإسرائيليين أنفسهم، برؤيتهم الشيزوفرانية نفسها. أي ان غالبيتهم المطلقة تريد شارون رئيسا للوزراء مرة ثانية، والغالبية المطلقة تؤيد سياسة متسناع السلامية!

ذاهبون بنو صهيون إلى الانتخابات تحت مطرقة دعاية يمين متعفن، واقتصاد متدهور، وبطالة متضخمة، وفضائح مالية وأخلاقية تجلل شارون «المحبوب»، وفقدان أمن، وتبيان أن وجودهم قائم في المكان الخطأ!

والمهم هنا، أن السلطة الفلسطينية والأنظمة العربية، وهي تتمنى اختفاء شارون من الساحة السياسية، لا تملك أية استراتيجية في حالة إعادة تثبيت شارون في الحكم، وهو ما تؤكده استطلاعات الرأي والتحليلات السياسية الإسرائيلية.

ويمكن القول إن العرب ما زالوا، منذ غزوة نابليون، إذا قفزنا على عبد الناصر، إلى غزوة بوش المرتقبة، لا يملكون من أمر استراتيجية استباق الخطر الخارجي إلا «يا الله السلامة».

وقد يقول كثيرون ان استراتيجية الاستعداد الاستباقي لمواجهة الخطر الخارجي، قد قادت عبد الناصر إلى الهزيمة، وهذا صحيح، وطبيعي، لأن الأصل في نجاعة استراتيجية الاستعداد الاستباقي (سياسيا واقتصاديا وشعبيا، ثم عسكريا) تعتمد على مبدأ ان أمن العرب أمن جماعي. وهو المبدأ الذي لا يزال عرضة للسخرية والاستخفاف به من قبل التفكير السياسي القطري. وحسب المبدأ الجوهري للأمن العربي الجماعي، فان نظام صدام حسين ألحق ضررا بالأمن العربي، لكن ذلك لا يستدعي، بالضرورة، تبرير غزو العراق بقوات اميركية تحت أي ظرف!

ونعود إلى إسرائيل، الخطر المباشر، عدوانا ودمارا، المزروع منذ اكثر من قرن بحسبانه مشروعا كولونياليا عنصريا، في قلب وجود العرب. فإسرائيل، في الجوهر، مشروع استعماري غربي، وما كان لها الاستمرار في البقاء بفعل قوتها الذاتية وحدها، لولا اتصال وجودها بحبل سري لم يقطع بعد مع رحم الغرب، وكذلك، ما كان لها ان تصبح على هذا القدر من التجبر والغطرسة، لولا هذا القدر من استهتار العرب بأمنهم الجماعي..!

استراتيجيا، يبدو ان إسرائيل باقية، ربما لعقود قادمة،غير محددة، إلا بخرافات الغيبيين عن زوالها بالتمني. لكن بقاء إسرائيل، دولة يهودية كولونيالية عنصرية، لا يمكن ان يدوم، حتى خلال عقد واحد قادم، بالاعتماد على الحرب والعدوان. فهي لن تستطيع وحدها الخروج ابعد من فلسطين المحتلة، إلا في غزوات خاطفة في أراضي الطوق. وقد تأكد لها هزيمتها المذلة في لبنان. ومن المؤكد إنها ستهزم ويقهر جيشها داخل فلسطين، كما هُزم وقهر في جنوب لبنان، بشرط أن يسند العرب ظهر الفلسطينيين باستراتيجية أمن عربي جماعي فاعلة، حتى دون أن يرسلوا جيوشهم العاطلة إلى الحرب بالضرورة ؟!

أسمح لنفسي بالقول، إنني كتبت مرارا ان خطة السلام العربية، التي قدمها الأمير عبد الله بن عبد العزيز، تعد استراتيجية دبلوماسية ثاقبة، لكن الخلل الذي قد ينسفها، أو في الحقيقة، قد نسفها، هو أن الذين تبنوها، قدموها كجزرة مسلوقة على طبق نادل مهذب دون أن يضع العصا تحت السفرة، بحيث تُرى فتؤخذ في الاعتبار!

لكن، هل لدى العرب عصا أصلا؟! الجواب: نعم! لكنهم لا يجيدون استعمالها! والعصا هنا ليست مجبولة من قوة عسكرية بالضرورة، فقوتها كامنة في الإرادة الجماعية. فعندما تتوفر الإرادة تتوفر الوسيلة. والإرادة العربية السياسية الموحدة بمقدورها إسقاط رهان إسرائيل على تفكك الموقف العربي، وإسقاط رهان اميركا على تبعية العرب لاستراتيجيتها في المنطقة التي هي في خدمة إسرائيل ضمنا! والحاصل معناه أنه إذا ما فاز شارون في الانتخابات المقبلة، والأرجح انه سيفوز، سيمضي، كما كتب محلل إسرائيلي، في تعميق الحضيض داخل المجتمع الإسرائيلي: «حضيض أخلاقي، سياسي، اقتصادي، واجتماعي، يصعب تصور حضيض أكثر انخفاضا منه..» كما سيمضي في عطشه الذي لا يرتوي من الدم الفلسطيني!

وعندها لن يكون قدام النظام العربي الرسمي، إذا أراد ان يكسب حكمه شرعية وطنية، وشعبية، ويضمن أمنه أيضا، سوى أن يضبط مواقفه السياسية على نبض الشارع بمشاعره الغاضبة حتى الاحتقان ضد جرائم بني صهيون في فلسطين، والغطرسة الاستعمارية الاميركية في المنطقة. ومن الطبيعي ان يجري، ضبط الموقف السياسي الرسمي على نبض مشاعر الشارع، بمقتضى العقلانية، أو قل، الواقعية السياسية، لكنها ليست تلك الواقعية المسوّقة بروح انهزامية في الفكر السياسي العربي، يروج لها كتاب عرب ومثقفون تبريريون، يسوّقون التبعية للاستراتيجية الاميركية على أنها عين التعقل، وغضب الناس وكراهيتهم المحتقنة للسياسة الاميركية على انهما غوغائية!

إن الشارع العربي، بعناوينه المعلنة (أحزابه السياسية ومنظماته المدنية) وببدروناته السفلية (تنظيماته وجماعاته السرية)، وبمشاعره وانفعالاته، هو القوة المحركة للتاريخ، شئنا أم أبينا!

وإن بدا الشارع العربي/ الإسلامي، خاملا، يجعجع للحظات، ثم يركن إلى بلادته المعهودة، فانه قد ينفجر في لحظة مفاجئة تقلب كل الحسابات!

إنه لمن الملح، إذا ما أعيد تثبيت شارون على مقعده، أن يخرج العرب الرسميون من قمة عربية حاسمة بقرارات ملموسة تترجم تطلعات شعوبها في حدودها الدنيا المقبولة تحت شعار لا سلام مع أعداء السلام:

1) أن تقطع كل الدول العربية، علاقاتها الكاملة بإسرائيل، دون استثناء، ومن دون ذرائع حول المعابر الحدودية «التي تخدم الفلسطينيين»، إذ انها، في الحقيقة، لا تخدم إلا سياسة العدوان الصهيوني، حيث تساهم المعونات العربية في تحمل كلفة إطعام الفلسطينيين نيابة عن الاحتلال، ولن يضر الفلسطينيين تركهم للجوع ما داموا قد تركوا للذبح!

2) رفع الحظر الأمني عن المظاهرات الشعبية للتعبير عن رأيها العام في الشوارع العربية دون خوف مصطنع على النظام من غضب تحركها.

3) التغاضي عن تهريب السلاح و تسرّب المقاتلين المتطوعين إلى فلسطين عبر حدود الطوق، كما كان الحال مع ثورة التحرير الجزائرية.

4) الطلب من اميركا رسميا، باسم القادة العرب، في بيان معلن للعالم، أن تفرض على صنيعتها إسرائيل، علنا، القبول الفوري بمشروع سلام الحد الأدنى المرسوم عند خط الرابع من حزيران 67 على جميع الجبهات العربية!

5) إشعار واشنطن (بالملموس!) ان رفضها لفرض تسوية عادلة شاملة للصراع العربي/ الصهيوني على إسرائيل سيترتب عليه عقوبات تمس مصالحها مباشرة، وان عذرها سيكون اقبح من ذنبها إذا ما تحججت بأنه لا سيطرة لها على السياسة الإسرائيلية، وهي التي تغذيها بالمال والسلاح والفيتو!

6) وكثيرة هي الوسائل السياسية والاقتصادية، القادرة على دعم الفلسطينيين دعما ملموسا حاسما، إذا ما توفرت الإرادة العربية الجماعية.

ولكن ماذا لو فاز متسناع.. عندها لمقامه مقال!

[email protected]