بشر بأجنحة

TT

تريد ان تتفاءل بالدنيا لمجرد ان تفتح عينيك..؟ العملية سهلة تناول ديوان الشاعر التركي ناظم حكمت واقرأ تفاؤله المصفى بأيام في علم الغيب:

أجمل البحار بحر لم نذهب اليه بعد

وأجمل الاطفال طفل لم يكبر بعد

وأجمل الايام يوم لم نعشه بعد

وأجمل ما أريد قوله لم أقله بعد

وقبل ان تصدقني وتظن فعلا ان العملية سهلة تذكر ان التفاؤل لا يولد من فراغ ولا بضربة حظ، وليس في الصيدليات دواء يجعلك تتفاءل، فالتفاؤل يا صاحبي يحتاج اولا الى خبرة في الحياة وفهم عميق لها لذا يحتاجه الكهول اكثر من غيرهم فمع الشباب تستطيع ان تعيش بالتفاؤل ودونه ما دام ساعدك قويا وايامك امامك اما حين يصير مستقبلك خلفك، فذاك هو الوقت الذي تحتاج فيه الى كل الجرعات الممكنة من الثقة بالآتي كي لا تنتحر او تجن او تكتب شعرا رديئا في رثاء الايام الخوالي.

لقد عرف ناظم حكمت الذي امضى عشرات السنين في السجون ان الاصعب من السجن هو ان تحمل فكرة السجن داخل نفسك وانت حر، فهناك بشر لا يقترب منهم شرطي، ولا يتحرش بهم مخبر، ولا يستدعيهم أي محقق، ومع ذلك تراهم يعيشون حياة المساجين يخافون اذا هبت الريح ويندسون تحت الغطاء فورا اذا سمعوا خشخشة اوراق الشجر، المغامرة تصيبهم بالذعر، والمجهول يشل ارادتهم، والاقتحام حتى ولو في السباحة عندهم من رابع المستحيلات. هؤلاء بشر لا يمكن ان يتفاءلوا، ولا ان يتغيروا، فمن سيغيرهم ان كانت عاداتهم الكئيبة على حالها منذا ايام الطوفان، واين؟ ومن اين تأتيهم القدرة على الحلم الذي يغريهم بالخروج من حالة الذعر والتشاؤم ان كانوا قد حسموا مستقبلهم، ومستقبل الكرة الارضية معهم وقرروا انه لا توجد فائدة من أي حركة او نشاط او عمل.

صحيح ان مغريات الكآبة والنكد كثيرة لكن محرضات الفرح اكبر، واكثر والمساحات الشاسعة النفسية والجغرافية التي تغري بالاكتشاف ليس لها حدود، لكن من اين لهؤلاء القعدة ذاك الظمأ للبعيد البعيد ذاك الذي لا يتحكم بالشعراء الشبقين للحياة كناظم حكمت وبابلو نيرودا وحدهما بل يسيطر على شاعر هادئ ومتأمل وحكيم كطاغور الذي يقول في قصيدة البستاني:

يا لروعة النداء الصادر عن نايك

ايها الغامض.. ايها الماوراء العظيم

ظامئ قلبي لاشياء بعيدة

ونفسي مشوقة لتلمس حافة المبهم

آه ايها الغامض البعيد العظيم

لقد اصبحت حكاية نورس متمرد يغريه التحليق والطيران وارتياد المجهول واحدة من اشهر روايات العالم في السبعينات لان النورس الصغير في رواية «النورس جوناثان ليفنغستون» لريتشارد باك ورفض مخاوف الآباء وتقاعس الاصدقاء وتحذيرات الكسالى، ونفض جناحيه بشجاعة تليق بالمغامرين وحلق بعيدا خلف الغامض والمجهول والمبهم، فذاق طعم الفرح، وزار منابع الجمال، وصار اسطورة تغري وتغوي بالتقليد و«النمذجة» والمتابعة.

وانت لا ينقصك ان تكون ذلك النورس المغامر فعند كل منا اجنحة لا يراها إلا حين يقرر استخدامها للتحليق في فضاءات جديدة تبعده الى حين عن المناخات التي تخلق له الاحباط والاحساس بالعجز، والكآبة.

انفض جناحيك وحلق بجسارة فوق اطلال مخاوفك لتبتعد عنها فذاك اول شروط التفاؤل.