الحاج محمد البرادعي

TT

كان رئيس الوزراء اللبناني، الراحل الحاج حسين العويني، من اكثر الناس ظرفاً، وبالتالي من اكثرهم ذكاء. وقد لعب في حياته ادواراً سياسية كثيرة بدأت في محيط الملك عبد العزيز واستمرت في لبنان كوزير ورئيس للوزراء وكشخصية سياسية محببة الى الناس، تجد لكل قضية شائكة خاتمة سعيدة.

ومن اظرف وأطرف ما روي عنه انه في نهاية «ثورة 1958»، اقدم رجل من المحسوبين عليه على قتل ثلاثة ورميهم في بئر. وكادت المسألة تشعل حرباً طائفية من جديد، فحكم القاتل الملقب بـ«التكميل» بالاعدام، فذهبت شقيقته الى الحاج حسين تتوسله التدخل، فقال لها: «خلي ثقتك بالحكومة كبيرة». فعادت الشقيقة الى «التكميل» في سجنه، وقالت له ان الحاج طلب اليها ان تطمئنه وتقول له «خلي ثقتك بالحكومة كبيرة».

وبعد ايام وقع وزير الداخلية حكم الاعدام، فارتاع «التكميل» وارسل شقيقته الى الحاج حسين من جديد تسأله ما العمل وقد وقع وزير الداخلية الحكم. فاجابها الحاج: اذهبي الى التكميل وقولي له ان يبقي ثقته بالحكومة كبيرة، فعادت الى السجن ونقلت الكلام. وما هو إلا اسبوع حتى وقع رئيس الجمهورية الحكم، فدب في التكميل الرعب الاخير، وارسل شقيقته الى الحاج، فعادت بالجملة نفسها، فاعادها «التكميل» الى الحاج حسين ومعها رسالة مقتضبة مكتوبة بلغة «ابو العبد» ولهجته وتعابيره ومصطلحاته البيروتية. فلما دخلت الى دار الحاج حسين رأى على وجهها علامات ما قاله «التكميل» فسارع يسألها: «هل ابلغت التكميل بما قلته لك؟». اجابت «ابلغته يا حاج». فقال: «وبماذا اجاب؟». قالت وهي تضع رأسها في الارض: «لقد لعن الحكومة وامها واباها واختها». فضرب الحاج كفا بكف وقال يائساً: «شتم الحكومة؟ له. له. لقد خسرنا القضية».

حضرت صباح امس خطاب الرئيس العراقي صدام حسين. وبعد قليل اخذت اصغي الى المؤتمر الصحافي الذي عقده الرئيس الفرنسي جاك شيراك وهانز بليكس ومحمد البرادعي. وبرغم مأساة اللحظة وجدية الساعات التي نمر بها جميعاً، كنت اصغي الى الثلاثة وانا اتذكر الحاج حسين واضحك. وانقلبت على ظهري عندما ختمها الحاج محمد البرادعي بالقول انه «اذا لم يغير العراق موقفه، فان النتائج لن تكون مسرة اطلاقاً».

وترجمة ذلك باللغة اللبنانية، او «باللغا اللبنانيي»، يكون العراق قد شتم الحكومة ولا يعود بالامكان فعل اي شيء. لقد ضرب الحاج البالغ الظرف كفا بكف وصرخ يائساً: «التكميل، سبّ الحكومة؟ راح الصبي».