كلام لا يهم أحدا!

TT

لا تستطيع ان تقرأ كتاب «كلام لا يهم أحدا» للزميل والصديق محمد الفايدي دون ان تقرأ المقدمة الجملية والمؤثرة التي كتبها الدكتور عبد الله مناع بلغة الموسيقى او موسيقى اللغة التي اشتهر بها الدكتور.. لا تستطيع لأن المقدمة وهي السيرة الذاتية للفايدي هي المفتاح الى عالمه المثير.. عالم الصبي الذي رفض تسلق حبال المراكب ليتسلق حبال الكتابة.. ويترك أعمدة السفينة الى أعمدة الصحافة.

ولأن الاسلوب هو الرجل.. فأسلوب الفايدي وموضوعاته هي الفايدي ذاته.. المثقف العصامي الصلب الذي صدق ان الصحافة هي مهنة البحث عن المتاعب.. فوجد المتاعب او اوجدها لنفسه ولمن حوله.. وتحولت متاعب الناس الى مواجع تحملها هو صابرا محتسبا.

قلة قليلة في عالم الصحافة السعودية عاشت تجربة الفايدي الحياتية العنيفة قبل ان يتمكن من مغادرة الشوارع الخلفية الى فترينات الصحف.. ومن معاشرة الزعران الى معايشة النجوم والمشاهير!!

ورغم هذه النقلة الواسعة ظل الفايدي مخلصا للشوارع الخلفية والحارات.. وظل وفيا للزعران يكتب عنهم متعاطفا ومدافعا عن حقوقهم في عالم فقد الرحمة وضاعت قيمه في الزحمة.

وهذه اللوحات التي اختار لها المؤلف عنوانا «كلام لا يهم أحدا».. هي مجموعة من القصص والمواقف التي ترقى الى مستوى رفيع من الاتقان الفني.. ولأن القصة القصيرة لا تخضع لضوابط او هي مجال واسع للتجريب، فانني اعتبرها من احسن القصص، فالشروط الفنية متوفرة فيها رغم انها كتبت اصلا كمقالات صحافية ورغم انها نقلت من الواقع كما هو دون تدخل يذكر من الكاتب مما زاد فيها من متعة مضافة هي الطزاجة والتفرد.

ان الكلام لا يهم أحدا لأنه لا يتحدث عن الابطال الذين يقفون على المسرح.. ولكن يتحدث عمن وراء الكواليس!!

ان محمد الفايدي يلحق بكبار كتاب الدراما الانسانية الحية مثل ارسكين كالدويل وريتشارد رايت في أمريكا ومكسيم جوركي والكسندر كوبرين في روسيا الذين حققوا الشهرة والثروة والمجد، ولكن محمد الفايدي ليس في أمريكا ولا في روسيا، وهذه هي الحكاية.