يا للمصيبة!

TT

قام المنتدى الاقتصادي العالمي في سويسرا بدراسة مستفيضة عن الأحوال الاقتصادية للعالم العربي انتهى منها بصورة حالكة عما انجزناه خلال السنوات الأخيرة. يقول التقرير انه في السنوات الثلاث بين 1998 و2001 لم يحقق العالم العربي من النمو اكثر من واحد بالمائة. لا بأس انه نمو، ولماذا الطمع؟ وهو من عمل الشيطان. ولكن عدد السكان ازداد في نفس الفترة بنسبة ثلاثة ونصف بالمائة. اصبح مثلنا مثل المعلم المكتفي براتبه ثم يذهب ويتزوج بأربع نسوان. من ناحية اخرى، وكما اشار جان جاك روسو، ان زيادة السكان مقياس لتقدم المجتمع. وهو المقياس الذي ينطبق على الحيوانات والحشرات. هذا ما يقوله علماء الأحياء. ازدياد الذبان مثلا في بيوتنا واسواقنا دليل على تقدمنا. وهذا يقتضي من حكوماتنا السهر على راحة الذبان والبق والبعوض واصدار ارقام احصائية بتكاثرها كدليل على ازدهار مدننا وتوفر الغذاء فيها. تستطيع وزارات الاعلام عندئذ ان تصدر جداول بيانية مقارنة تثبت للعالم بانه يوجد في العالم العربي تسعون ذبانة في المتر المربع الواحد وعشرون برغوثة في المخدة الواحدة مقابل ذبانتين فقط للمتر المربع الواحد و نصف برغوثة في المخدة الواحدة في سويسرا، مما يدل على اننا اكثر ازدهارا ورخاء من سويسرا. فالمعروف والثابت ان الذباب والبق و البعوض مثل الشعراء والكتاب والمفكرين العرب، يتجمعون حيثما يوجد اكل.

يقول التقرير ان على العرب امام هذه الزيادة السكانية ان يحققوا نموا اقتصاديا بنسبة خمسة بالمائة على الأقل اذا ارادوا رفع مستوى معيشة الشعب بأي مقدار كان. هذه نقطة يجب الا تقلق القارئ العربي مطلقا. فمستوى معيشة الشعب ورفع ذلك يعتبر من الأمور التي تشغل بال الغربيين ولا شأن لنا بها. ليس لها أي محل في تقاليدنا وتراثنا الغني. وشعوبنا راضية بما قدر لها كما نرى بجلاء في الشعب العراقي. أي زيادة في الدخل، على حد قول توفيق السويدي رئيس وزرائهم الراحل، سينفقها المواطن على شراء المزيد من المشروبات. يستفيق في اليوم التالي فينفق ما بقي من جيبه على شراء الأسبرين.

الشيء الذي يشغل بال الخبراء الاقتصاديين هو ان هذا الفشل في النمو الاقتصادي حدث رغم توفر هذه المادة الثمينة: النفط. ففي قصة الحضارة البشرية نجد دائما ان اكتشاف أي مادة استراتيجية كالحديد اوالفحم او الذهب او النحاس في أي منطقة يؤدي دائما الى ازدهارها ونموها السريع و بناء مدنية جديدة. حدث ذلك للاغريق والانجليز والأمريكان وسواهم. لماذا لم ينطبق ذلك على الشعوب العربية والاسلامية؟

خاطرت وفكرت بالموضوع. واقول خاطرت لأن التفكير في عالمنا العربي ينطوي دائما على مخاطرة كبيرة. لا شيء اكبر منها خطرا غير ان تقول ما تمخض عنه تفكيرك. ولكنني سأركب كلا الخطرين فأقول ما دار في ذهني.

كل انسان وحيوان يستعمل مخه لتحقيق شيء عملي يفيده. نحن نستعمل كل قوانا العقلية لانجاز اشياء غير عملية وغير مفيدة. يستنفد شبابنا كل طاقاتهم في التفكير بالجنس. في كل الدول يدرب البشرالكلاب على اداء مهمات عملية كالحراسة او اكتشاف الجرائم او مهاجمة العدو او رعي الغنم. في الأردن قبل ايام، استطاع شاب تدريب كلبه على توصيل رسالة غرامية لبنت الجيران. اكتشف ذلك اخوها فقتل الكلب الذي ذهب ضحية للكبت العربي.

في كل العالم عندما يكتب الناس يفكرون بما يقولون الا في عالمنا فتراهم يفكرون كيف يكتبون: هل يقولون ذهب المعلمون او ذهب المعلمين؟ في كل دول العالم تقوم السلطة بتوفير الخبز والعمل للعاطلين فلا يثورون. عندنا توفر لهم قوات ترهبهم لئلا يثوروا.

من اين يأتي النمو و تفكيرنا محصور بما لا يغني ولا يشبع؟ ولكن لي افكاري في معالجة ذلك بما يعطينا نموا لم يحقق مثله احد، وهو ما سأفعله غدا.