رؤية حول أوضاع النفط بعد رحيل صدام

TT

يمثل إنتاج النفط في منطقة الخليج نسبة 35 في المائة من الإنتاج العالمي، لكن المنطقة تحتفظ في باطنها بقرابة 65 في المائة من الاحتياطات العالمية المعلنة. وهي المنطقة الوحيدة التي يمكنها تلبية الزيادة المتواصلة في الطلب العالمي للنفط، هذه الزيادة التي يقول مسؤولو الطاقة في الولايات المتحدة إنها حتمية.

فالمملكة العربية السعودية التي تختزن في جوفها قرابة 262 مليار برميل، تحتفظ بربع احتياطات النفط العالمي، كما انها تعد أكبر دولة منتجة له، لكن العراق، وبالرغم من وضعه الصعب خلال الأعوام الـ12 الماضية، يظل مصدرا رئيسيا للنفط. فاحتياطاته المعلنة تبلغ 112 مليار برميل، تجعل العراق في المرتبة الثانية بعد السعودية. وبالنظر إلى أن أعمال التنقيب لم تكتمل كما يجب في أجزاء كبيرة من الأراضي العراقية، فهناك فرصة طيبة في أن تكون احتياطاته أكبر بكثير مما هو معلن.

خلال نصف قرن من الزمان خصصت الولايات المتحدة استثمارات هائلة لإبقاء منطقة الخليج ضمن دائرة استقطابها وللمحافظة على حصة أميركا الهائلة من النفط العالمي. هذه الاستثمارات شملت التدخل المباشر وغير المباشر، وشحنات أسلحة هائلة لحلفائها في المنطقة وإقامة قواعد عسكرية هناك.

وكانت النتيجة حدوث تحولات في التحالفات وتجدد الصراعات. كما ان واشنطن ظلت دائما تعتبر ان ضمان تدفق النفط يعد مبررا لحديثها عن حقوق الإنسان والديمقراطية في تلك المنطقة.

رؤية أميركا لهذه المسألة لم تتبدل الآن مع استعداد إدارة بوش للعب دور معلن أكثر سيطرة على المنطقة، ربما بغزو العراق ضمن مشروع التخلص من أسلحة الدمار الشامل وإقامة نظام ديمقراطي هناك.

ليس هناك دليل على ان تغيير نظام صدام حسين مرتبط بأي شكل بالهجمات الإرهابية التي تعرضت لها الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر عام .2001 لكن تلك الهجمات تسببت في حالة من العدائية والانعزالية الشديدة سادت واشنطن وأتاحت المجال لنهج بوش الخاص بالحرب الاستباقية أو الوقائية.

إذا ما تم تنصيب نظام موال للولايات المتحدة في بغداد، فإن ذلك سيوفر لشركات النفط الأميركية والبريطانية فرصة أفضل في الحصول على حصص أكبر من النفط العراقي خلال الأعوام الثلاثين الأولى ـ وهو مردود يساوي مئات المليارات من الدولارات. وإذا ما قرر النظام العراقي الجديد الترحيب مجددا بعودة شركات النفط العالمية، فمن المحتمل أن يشهد موجة أوسع من تخليص صناعة النفط من التأميم بطريقة لم يشهدها العالم منذ التحولات التاريخية التي وقعت خلال أوائل السبعينات.

ويبدو ان شركات النفط المتنافسة لعبت دورا حيويا خلف الستار مع تبني الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن للقرار الخاص باتخاذ أية إجراءات ضد العراق.

فشركة النفط الفرنسية «توتال فينا ـ إيلف» أقامت علاقات خاصة مع العراق منذ أوائل السبعينات. وإلى جانب الشركات الروسية والصينية، فقد وضعت نفسها خلال السنوات الماضية في موقع يؤهلها لاستكشاف مزيد من حقول النفط ما أن يتم رفع العقوبات الدولية.

لكن يبدو ان بوادر تهديد ضئيل أشارت إلى أن هذه الشركات قد لا تحصل على امتيازات مستقبلية في العراق ما لم تدعم باريس وموسكو وبكين سياسة بوش المتعلقة بتغيير النظام. وبينما أرادت فرنسا وروسيا والصين كبح جماح اندفاع الولايات المتحدة، فإنها أيضا ترغب في الإبقاء على خياراتها في حالة تنصيب نظام مؤيد للولايات المتحدة في بغداد.

خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، تبنى مجلس الأمن الدولي القرار رقم .1441 ومن الواضح ان تفاهماً خلف الستار بين الدول الكبرى الأعضاء في المجلس بشأن مستقبل نفط العراق، كان جزءا من اللعبة السياسية التي أدت في النهاية إلى المصادقة على ذلك القرار بالاجماع.

ويبدو ان المخاطر المرتبطة بهذه المسألة تتجاوز بكثير تلك المتعلقة بمستقبل العراق. فسياسة بوش الخاصة بالطاقة مبنية على زيادة استهلاك النفط، الذي يفضل أن تكون أسعاره مخفضة. وخلال الاسبوع الماضي فقط حذرت وزارة الطاقة من أن أميركا قد تضطر لزيادة حجم وارداتها من النفط بشكل حاد خلال ربع القرن المقبل، لتلبية حاجة الطلب المحلي المتزايد. وقالت ان صافي واردات النفط الأميركي قد تمثل نسبة 70 في المائة من إجمالي الطلب المحلي بحلول عام 2025، وهي زيادة تبلغ نسبتها 55 في المائة عن عام .2001 كما ان مخزون النفط في الولايات المتحدة بات ينضب بشكل متزايد، وباتت حقول النفط في عدد من الدول غير الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، تتعرض للجفاف. وهكذا فإن جزءا كبيرا من احتياجات النفط المستقبلية سيكون مصدره منطقة الخليج.

لقد عانت صناعة النفط في العراق من الآثار السلبية للعقوبات الاقتصادية المفروضة على العراق منذ سنوات. وما أن تتم إعادة تأهيل منشآته ويتم إصلاح أضرار الحرب، فإن الباب سيفتح على مصراعيه. وستسمح السيطرة على نفط العراق للولايات المتحدة بوضع حد لنفوذ الدول الاخرى المتعلق بوضع السياسات النفطية. ومنذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ظهرت على السطح بوادر خلاف بين واشنطن والرياض، قد تتسع مع الوقت، بالنظر إلى تطلعات الشعب السعودي الشديدة لمستقبل أفضل.

وقد تتمكن الولايات المتحدة أيضا من تبوؤ مكانة بارزة في سوق النفط العالمي، بحيث تضعف من قوة نفوذ منظمة «أوبك»، وتحد من نفوذ الدول المصدرة الأخرى كروسيا والمكسيك وفنزويلا. فسياسة إدارة بوش تجاه العراق تهدف إلى تأكيد اعتماد الاقتصاد العالمي على النفط وعلى نظام للطاقة ترعاه الولايات المتحدة.

* باحث لدى معهد «وورلد ووتش» في واشنطن ـ خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»