فلاديمير أشدود

TT

نبدو احياناً كصحافيين وكتّاب مثل الببغاءات. نلاحق موضوعاً واحداً وكأنه قضية القضايا. ونتابع رجلاً واحداً وكأنه آخر الرجال. وعلة ذلك في اننا نقرأ اكثر من غيرنا، وتضطرنا المتابعة الى الاصطدام بالترهات. ويعتبر كل كاتب ان من مهامه، وليس فقط من واجباته، ان يشارك الناس في ما توصل اليه عن النصابين الذين يحتالون على شعبه وامته. على الاقل النصابون الاجانب الذين تسمح التقاليد بالاشارة اليهم وتسميتهم، بينما تمنعنا اللياقات من تسمية الحرامية وتجار الشنطة والسحرة العرب الذين لم يعد لديهم من ارانب او قبعات او طيور حمام يخدعون بها الجمهور، ومع ذلك فهم باقون يرزقون ويفلحون ويضحكون ويجهلون فوق جهل الجاهلين.

لقد كتبت هنا تكرارا عن فلاديمير جيرونوفسكي حتى ظن الناس انه ثأر شخصي. وكان يحزنني ان ارى ان العراق المحاصر وليبيا المحاصرة بقرارات مجلس الامن، لا يجدان اسماً اعجمياً يتفقدهما سوى المحتال الروسي. وكتبت يوماً ملخصاً لكتاب وضعه رئيس مجلس ادارة «مير» للنشر، وهي اكبر دار من نوعها في روسيا السوفياتية، يروي فيه ان جيرونوفسكي كان يعمل كمحام في الدار. وانه رجل ذكي يتصنع الجنون لان ذلك يساعده في النصب وجمع المال. وقد بدأ جيرونوفسكي مساره بالتحدث عن اذلال العرب والمسلمين وكيف يتمنى ان يراهم قادمين على ركبهم ليركعوا امامه. وادلى بتلك المقابلة الى «المجلة» برغم معرفته انها مجلة سعودية. وبعد قليل انتقل الى امتداح العرب ومحاربة اليهود. واصبحت بغداد وطرابلس تحتفلان بقدومه العزيز ايما احتفال.

وكان يحزنني، شخصياً وبنوع خاص، ان بلدين عربيين احدهما عاصمته بغداد، لا يرى حوله صديقاً سوى هذا النوع من الدجالين. وكان يحزنني ان بلدا مثل سويسرا يرفض ان يمنح جيرونوفسكي تأشيرة دخول للعلاج، ومع ذلك يحظى باستقبال رئاسي في الدولتين. ثم تبين ان هذا قد جمع 200 سيارة قديمة ووضعها في مرائب خاصة في موسكو. ويومها ايضاً كتبت مهنئاً ارباب العلاقات العامة في سرت وبغداد.

وخيّل الينا ان جيرونوفسكي نام على ما جمع ونسي العالم انه موجود. هكذا خيّل الينا. لكن فجأة ظهر هذا يوم الاثنين الماضي في اسرائيل تلبية لدعوة حزب من المهاجرين الروس مقره في ميناء اشدود، وذلك للمشاركة في الحملة الانتخابية للحزب. وقالت صحيفة «يديعوت احرونوت» انه منح تأشيرة الدخول لان والده كان يهوديا وهو بهذه الصفة قادر على الحصول على الجنسية الاسرائيلية ايضاً.

الآن وقد استنفد طاقات المال العربي يستدير جيرونوفسكي نحو المال الاسرائيلي. ومن يفاجأ بمثل هذا الامر هو كل من لم يكلف نفسه عناء قراءة الصحف الروسية. او الكتب الروسية. او ما يقوله الروس المحترمون. لكن العراق وليبيا المحاصرين اصرا في تلك الفترة على امرين: الاول، التعاطي الاقتصادي والعسكري مع صربيا وسلوبودان ميلوشيفتش، والثاني استقبال ظاهرة مرضية تدعى جيرونوفسكي الذي جاء مرة الى بغداد على طائرة خاصة ومعه 20 نصاباً مستنسخاً جاءوا «لانقاذ» العراق و«خرق» الحصار. وسوف يكون تأثير جيرونوفسكي في انتخابات اشدود، تماماً ما كان عليه في خرق الحصار على العراق. لكنه بدأ حملته بالقول: «القدس عاصمة اسرائيل. القدس مدينة من نوع خاص بين المدن. وعلى الفلسطينيين ان يعطوا عاصمة في مكان آخر وان يصمتوا». هكذا يكون انصار العرب، او لا يكونون.