تركيبة الوزارة بعد الانتخابات تقرر مصير المفاوضات

TT

انتقم اليمين الاسرائيلي في المرحلة الاخيرة من الحملة الانتخابية من عمرام متسناع، فاتهموه بأن الذي لا يريد الوحدة (حكومة الوحدة الوطنية) بنظر الرأي العام، لا يريد السلام. ولما قال متسناع بأنه ضد الوحدة، صدرت استفتاءات تقول ان حزب العمل يتراجع بشكل لافت فارتبك متسناع، ورآها ارييل شارون فرصة لا بد من استغلالها فقال امام تجمع لحزب الليكود مساء الخميس الماضي انه يصر على حكومة الوحدة الوطنية «لأن البلاد في حاجة الى زعامة من اجل السلام»!

السلام هو المشكلة، والسلام بنظر شارون ليس ذلك الذي يريده حزب العمل «فيأتي بالمنظمات الارهابية وياسر عرفات الى عتبة بابنا، بالانسحاب الاحادي»! ولذلك قرر شارون ان تتضمن حكومة الوحدة الوطنية التي يريد تشكيلها «كل الاحزاب الصهيونية».

السلام يمكن تحقيقه بنظر شارون، كما قال في تجمع الليكود: عند الاطاحة بالسلطة الفلسطينية، عندما يبدأ جهاز أمني جديد يراقب الشوارع الفلسطينية، عندما يصمت التحريض وعندما يعم هدوء مطلق، ويعرض علينا سلام حقيقي، عندها تقدم اسرائيل تنازلات!

هذا التوجه اكدته مجلة «النيوزويك» التي نقلت عن شارون وصفه لمبادرة «الرباعية» بأنها «بلا معنى ولا تستحق التعليق»، فرد مكتبه على هذا متراجعا، بأن شارون يرى ان اسرائيل تتفق مع الولايات المتحدة على تفسير اقتراح الرباعية (المجموعة الاوروبية، روسيا، الولايات المتحدة والامم المتحدة) لتسوية النزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني، وان هذا التفسير وحده القادر على تأمين السلام في الشرق الاوسط.

تزامن ما جاء في مجلة «النيوزويك» ـ رغم تراجع شارون بكلمتين ـ مع تصريحات اطلقها نائبه ناتان شارانسكي في موسكو، الذي رفض بشدة خطة الرباعية، وقال عاكسا بوضوح تفكير وسياسة شارون: «ارفض هذه الخطة بشكلها الحالي. ان المسودات الثلاث لخريطة الطريق التي اطلعت عليها، كلها عودة الى عملية اوسلو التي فشلت فشلا ذريعا. لقد كشفت عملية اوسلو، انه لا يمكن لنظام ديكتاتوري ان يكون شريكا في حل المشاكل الامنية» (...). واضاف شارانسكي «ان الخطة توفر لعرفات فرصة الادعاء بأنه يقدم قرارات جذابة، مثل وضع الدستور واجراء الانتخابات في وقت تفرض فيه علينا اتخاذ خطوات ملموسة لتقوية النظام الفلسطيني».

وانتقد شارانسكي الخطة لأنها لا توضح كيف ستعيد التسوية المقترحة السلام الى المنطقة، ثم عبر عن ارتياحه لأن خريطة الطريق لم تقدم رسميا، لا لاسرائيل ولا للفلسطينيين.

وازاء ردود الفعل التي صدرت اثر ما طرحته «النيوزويك» كرر وزير الخارجية الاميركي كولن باول دعم الولايات المتحدة لخريطة الطريق التي تبنتها الرباعية، وان تحركا محتملا سيتم بعد انتهاء الانتخابات الاسرائيلية.

نتائج الانتخابات المقبلة، يمكن ان تكون عاملا اساسيا في تقرير السياسة الاسرائيلية تجاه الدولة الفلسطينية، غير ان شكل الحكومة المقبلة هو الذي سيحسم، من المؤكد، ان شارون سيفوز في انتخابات يوم الثلاثاء المقبل، لكن من سيتبوأ منصب وزير الدفاع؟

هناك من يدعو حزب العمل الى عدم الرفض المطلق لحكومة الائتلاف الوطني. اذ يمكن ان تتوفر له فرصة كبيرة لمساومة شارون، لأنه من دون حزب العمل، لا يمكن لشارون ان يشكل حكومة تكون مقبولة لدى ادارة الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش، ولذلك يمكن لحزب العمل ان يصر على شغل ثلاث وزارات رئيسية: وزارة الدفاع، وزارة المالية ووزارة العدل، ولا ينجر الى ارضاء شخصيات لديه مثل شيمون بيريز الذي تستهويه وزارة الخارجية، او شالوم سيمبون لوزارة الزراعة.

ويرى هؤلاء انه في هذه الحالة ستكون شخصية وزير الدفاع حاسمة، لأن رئاسة الاركان الاسرائيلية تعتبر وزير الدفاع كامل الصلاحيات، وسيكون مؤثرا خصوصا في تحجيم سياسة الاغتيالات وتفكيك المستوطنات وحتى في دور الجيش الاسرائيلي اذا ما وقعت الحرب على العراق وأدت الى زعزعة في المنطقة ـ في لبنان وسوريا والعراق.

لكن هناك من يرى بضرورة ان يرفض حزب العمل كل الاغراءات وان يبقى خارج الحكومة ويعيد تنظيم نفسه ويشكل معارضة حقيقية ذات مصداقية، لأنه كما كتب احد المعلقين في صحيفة «هاآرتز»: «عندما تنتهي الانتخابات وتبدأ الشرطة في استدعاء المتهمين لمواصلة التحقيق، ويزداد الوضع الاقتصادي والامني سوءا، سيتغير الرأي العام الاسرائيلي (...) الذي يلزمه وقت قبل ان يعاقب المسؤولين».

ان عملية التحقيق في الفساد داخل حزب الليكود وداخل عائلة شارون، لم تنته فصولها بعد. لكن، اذا حصل حزب شينوي ـ وهو حزب علماني، يرفض المتدينين الاسرائيليين، ويرفض في الوقت نفسه الفلسطينيين، وقد يصبح الحزب الثالث في اسرائيل ـ على نسبة من المقاعد وطالب بوزارة الامن الداخلي وحصل عليها، فإن لهذه الوزارة التأثير الاساسي على تحقيقات الشرطة.

والمعروف انه في الحكومة الحالية، فإن المدعي العام ووزير العدل من حزب الليكود.

على كل، ان لعبة انتظار الوقت حتى اجراء الانتخابات في 28 الشهر الجاري، ستنتهي، وسيضيق معها هامش المناورة الاسرائيلية. ففي نهاية المطاف لا بد من الخطوات السياسية، لكن المشكلة هي ان الطرف الفلسطيني يراهن بدوره على عملية الوقت، وتفضل السلطة الفلسطينية انتظار ما ستسفر عنه التطورات حول العراق، والانعكاسات عليها، وقد يحرك الوضع ما صرح به كولن باول يوم الاثنين الماضي، لأن دائرة العنف في الاراضي المحتلة قد تستمر، ولم يستطع شارون ايقافها، ولن يصب هذا في مصحلة الولايات المتحدة التي تستعد للحرب على العراق.

لذلك، حسب مصدر غربي، فان السؤال الاساسي هو عما اذا كان ممكنا انهاء دورة العنف، وما هي الآلية التي يمكن ان تؤدي الى الهدوء. ويرى المصدر ان هناك خمسة احتمالات: الاستئناف الفوري لمفاوضات السلام حتى مع بقاء ياسر عرفات على رأس السلطة، وهذا يسمى التوجه الاوروبي والتوجه المعاكس هو رفض كامل للشريك الفلسطيني وتدمير السلطة الفلسطينية والعودة الى ما قبل مرحلة اوسلو، الفصل الاحادي، فرض حل دولي، واخيرا تبني رؤية بوش وخريطة الطريق.

ويقول المصدر ان حكومة ارييل شارون رغم انها لم ترحب بخريطة الطريق، الا انها عرفت ان الادارة الاميركية مقسومة حولها، وقد لوحظ انه عندما القى الرئيس الاميركي كلمته عن الشرق الاوسط، وشرح فيها رؤيته التي تحولت لاحقا الى خريطة الطريق، اقدمت اسرائيل مباشرة على عملية عسكرية واسعة اعادت خلالها احتلال معظم المدن الفلسطينية في الضفة الغربية. ومنذ ذلك الوقت لم يفرض الاميركيون خريطتهم وعرقلوا عمل الرباعية، وبدورها اسرائيل لم تعد تقدم على عمليات عسكرية ضخمة، فهي استعادت الضفة واحكمت كل معابر قطاع غزة.

اما بالنسبة الى عدم اتفاق الادارة الاميركية على هذه الخطة، فيقول المصدر الغربي انه في هذه المرة يدعم الصقور حول الرئيس بوش الخطة، الا انهم بالطبع لن يشنوا الحرب لتطبيق خريطة الطريق، في حين ان وزارة الخارجية الاميركية والامم المتحدة والمجموعة الاوروبية وآخرين ما زالوا يبحثون عن حلول اخرى.

قد لا تجد حكومة شارون المقبلة ان من مصلحتها الرد ايجابيا على خريطة الطريق، لانها بانتظار رسم «خرائط» طرق عديدة عندما ستقع الحرب على العراق، لكن، وكما يقول محدثي: «من المؤكد ان الخرائط الجديدة، ستقتلع من بين الذين ستقتلعهم، ارييل شارون، فهو ايضا من العقبات الرئيسية، هذا اذا عاشت حكومته حتى تقاسم الحصص».