مأساة في الجو

TT

سبّب سقوط المكوك الفضائي كولومبيا صدمة كبيرة في شتى أنحاء العالم، فرواد الفضاء السبعة الذين قتلوا في هذه المأساة يمثلون الجنس البشري في مسعاهم لفض أسرار الكون. وهذا يشكل جزءا من حلم جماعي مات معهم.

وكانت المأساة السابقة قد وقعت قبل 17 عاما. ومن المتوقع أن تركز هذه المأساة الجديدة اهتمام الرأي العام العالمي على قضية الفضاء.

فالكثير من الناس بدأوا يطالبون بإعادة النظر فيما إذا كان صحيحا توظيف هذه المبالغ المالية الضخمة والمصادر العلمية والسياسية لبرنامج بحوث الفضاء في وقت يعيش فيه قطاع واسع من البشر تحت هيمنة الفاقة والأمراض وغياب الأمن. ألن يكون أفضل لو أن البلدان الأكثر غنى على كوكبنا تبدأ في تطوير طموحات أرضية كهذه لإخراج مئات الملايين من الناس من ظروف الشقاء القاسية؟

فمن جانب يكون سؤال من هذا النوع مبررا طرحه في هذه المرحلة، إذ أنه خلال العقود القليلة المقبلة سيحصد وباء الايدز 60 مليون شخص في أفريقيا لوحدها. وهذا أكثر من كل عدد القتلى أثناء الحرب العالمية الثانية. فعن طريق استثمار 30 مليار دولار سيكون بإمكاننا، على سبيل المثال، أن نوفر ماء نظيفا لما يقرب من ربع البشرية، إضافة إلى تخفيض معدل الوفيات بين الأطفال إلى النصف في 80 بلدا.

من جانب آخر، على برنامج الفضاء أن يستمر، فالسؤال المتعلق بطريقة توظيف رؤوس الأموال كان دائما موضوع نقاش. فلو أن الإنسان وظّف مصادره لحاجاته المباشرة الهادفة للبقاء فقط لما أمكنه أن يحقق أي إنجاز علمي متميز أو أي نجاحات تكنولوجية وفنية. فهو أمر مهم للأهداف البشرية البعيدة الأمد أن يتم تخصيص المبالغ الضرورية للبحوث في ميدان التطور العلمي.

واليوم يحتاج الإنسان أن يعرف أقصى ما يمكن عن العالم المجاور له أي الكون، مثلما كان الحال قبل عدة قرون حينما كان ضروريا أن يكتشف الإنسان أجزاء نائية فوق سطح الأرض.

فمعظم التوقعات العلمية عن المستقبل تشير إلى أن المصادر الموجودة على سطح الأرض لن تكون كافية لتوفير مستويات العيش الموجودة حاليا في المناطق الأكثر غنى على الكرة الأرضية لسكانها الذين سيبلغ تعدادهم في منتصف هذا القرن عشرة مليارات نسمة. لذلك يحتاج الإنسان إلى استغلال المصادر الموجودة في الفضاء وعلى هذا الطريق القيام بخلق مستوطنات في كواكب أخرى.

لن يتم نسيان مأساة المكوك الفضائي كولومبيا سريعا. لكن هذه المأساة لن تزيح في الوقت نفسه اهتمام الإنسان الحالي ببحوث الفضاء.