حوار بلا نهاية!

TT

عندما تكون مصر هي الداعية فإن جدول الاعمال لا يمكن ان يكون تصعيد العمليات الاستشهادية او «الانتحارية» وان البحث، حتما، لن يتركز على تدمير «الكيان الصهيوني المزعوم» ولا على ازالة اسرائيل من الوجود، ولا على إلقاء اليهود في البحر لتأكلهم الاسماك المُجوّعة الجائعة.

وعندما يكون المدعوون كل هذا الخليط من تنظيمات، بعضها وهمي ولم يبق منه سوى الاسم المجلجل، وبعضها قراره ليس في يده، ويعتبر منظمة التحرير لا تمثل الشعب الفلسطيني، والسلطة الوطنية طفل سِفاحٍ انجبته اتفاقيات أوسلو، التي يجب التخلص من باقي ما انجبته، حتى وان كان هذا الهدف هو الذي سعى اليه شارون وحقق القسم الاكبر منه على مدى العامين الماضيين.

عندما يكون بعض المدعوين هم هؤلاء فكيف يمكن ان نتوقع ان تنجح مصر في هذا الهدف النبيل الذي سعت اليه، وهو الاستعداد لمرحلة ما بعد ضرب العراق التي ستكون من اصعب واقسى مراحل النضال الفلسطيني، والتي ستضع المشروع الوطني الفلسطيني على الشطب ان لم يحسن الفلسطينيون السير بين حقول الألغام، وان لم تكن كلمتهم موحدة، وان لم يغلبوا مصلحة شعبهم على الارتباطات الخارجية والمصالح التنظيمية.

في هذا الازدحام الهائل من كل هذه التنظيمات والارتباطات والفصائل، ومع كل هذا الاختلاف الشديد في التوجهات والارتباطات والقناعات والآيديولوجيات، لا يمكن توقع الاتفاق حتى على الحد الأدنى، ولا يمكن ان يستطيع أبو مازن، الذي تنقصه مناورات ابو اياد ودهاء أبو عمار، ان يقنع احمد جبريل وأبو نضال الأشقر وخالد عبد المجيد وأبو عدوي وعربي عواد وجريس قواس ومندوب الصاعقة، وقبل كل هؤلاء حركة «حماس» التي تسترشد مواقف وتوجهات التنظيم العالمي للاخوان المسلمين، وحركة «الجهاد الاسلامي» بتوجهاتها ومواقفها وعلاقاتها بالتخلي عن الصيغ التي يتمسكون بها.

كانت محاولة ضرورية، واذا كانت هذه المحاولة قد حققت اي نجاح فهو انها اثبتت انه غير ممكن على الاطلاق التوفيق بين كل هذا الخليط من التنظيمات والاحزاب والفصائل، والتقريب بين كل هذا الحشد من الآراء والتوجهات والآيديولوجيات، وهذا يعني انه اذا كان لا بد من استئناف هذا الحوار فيجب ان يستأنف بين القوى الرئيسية القادرة على اتخاذ قراراتها بدون اي تدخل خارجي، والتي لديها الاستعداد بالفعل ان تتحاور مع «فتح» ومنظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية على برنامج الحد الادنى المقبول فلسطينيا ودوليا وعربيا في هذه المرحلة.

في جولات الحوار الأخير، طرحت بعض الاطراف انها ترفض التأكيد على ان منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهذا يشير الى ان الذين حاولوا في عقد الثمانينات تدمير هذه المنظمة، التي جسدت ارادة شعب فلسطين منذ بداية عقد الستينات وحتى الآن، لا زالوا يواصلون محاولاتهم السابقة، كما ان هذا يشير الى ان هناك من يسعى الى ان يكون البديل للسلطة ولعرفات وللمنظمة ولكل هذه المسيرة التاريخية.

لا اكثر ضرورة واهمية في هذه المرحلة الحاسمة من وحدة الشعب الفلسطيني، وبما ان وحدة الشعب الفلسطيني تعني ان يكون هناك قرار واحد، فإن هذا الحوار الذي يبدو انه بلا نهاية، إذا لم يكن على اساس ضرورة الاتفاق على برنامج الحد الادنى، فإن عدمه يصبح افضل منه، فالفلسطينيون اذا خسروا باقي ما تبقى من السلطة، واذا خسروا منظمة التحرير وتنازعتهم كل هذه الفصائل والتنظيمات والمنظمات بكل ارتباطاتها وتوجهاتها فإنهم سيتحولون الى صومال ثانية وان قضيتهم ستتراجع نصف قرن الى الخلف.