مسألة معكوسة: خطط أمريكية لحماية النفط العراقي!

TT

يُفترض في الحرب المقبلة ان يقوم العراق بحماية آبار نفطه من امريكا بوصفها الدولة المهاجمة. ولكن الامور معكوسة في هذه المسألة. فالقوات الامريكية تضع منذ الآن خطط طوارئ لحماية آبار النفط العراقي من احتمال عمليات ضربها وتخريبها من قبل قوات صدام. ولئن دلت هذه المعلومة على شيء فإنما تدل على اهمية عنصر النفط في هذه الحرب. فصدام الذي يعلم ان الهدف الرئيسي لهذه الحرب هو القضاء على نظامه لن يتردد ـ كما تعتقد امريكا ـ في تدمير آبار النفط العراقية في حال تعرضه للهجوم، تماما كما اقدم على تدمير آبار النفط الكويتية في حرب عام 1991، وغني عن القول ان هناك اهمية استراتيجية واقتصادية كبيرة من المنظور الامريكي لنفط العراق في الحرب المقبلة، سواء في المدى القصير او الطويل. ففي المدى القصير، ستحتاج الحكومة الامريكية الى عائدات النفط العراقي لتمويل تكاليف اعادة بناء العراق بعد الحرب، وفي المدى الطويل فإن الحرب سوف تؤدي الى هيمنة واشنطن على عقود النفط العراقية وتصدير التقنية للعراق، وذلك على حساب الشركات الفرنسية والالمانية والروسية والصينية، كما سوف تتمكن واشنطن بعد الحرب ايضا من تأسيس قاعدة قوية في بغداد لتدعيم نفوذها الاقتصادي والسياسي والعسكري في المنطقة. ولهذا فإن الرئيس بوش كما يراه كثيرون في العالم، وكما وصفه نيلسون مانديلا، يسعى من خلال هذه الحرب للسيطرة على البترول العراقي. وعلى الرغم من ان كلا من فرنسا والمانيا وروسيا والصين لا تعلن صراحة بأن معارضتها لضرب العراق ترتبط بأسباب واعتبارات نفطية واقتصادية، فإن المحللين السياسيين يؤكدون على اهمية البترول والاقتصاد في تحليلهم لمواقف الدول الاربع المذكورة.

ولكن وعلى الرغم من اهمية عنصر النفط في حرب امريكا القادمة ضد العراق فإن هناك سببا رئيسيا آخر ينبغي أخذه في الاعتبار عند تحليل الموقف الامريكي. فواشنطن تجزم بأن العراق يمتلك كميات كبيرة من الاسلحة الكيماوية والجرثومية ولديها قناعة راسخة بوجود علاقة قوية بين العراق والقاعدة وان صدام سوف يسعى لتزويد القاعدة بالاسلحة الفتاكة الموجودة لديه، أي ان واشنطن تبدو حريصة على ضرب العراق حتى ولو من باب سد الذرائع او عملا بحكمة المثل الشائع: «الباب الذي يأتيك بالريح سده واستريح».

فالرئيس بوش يبدو مصرا اكثر من اي وقت مضى على ضرب العراق واسقاط نظام صدام. وقد يواجه الرئيس الامريكي مجموعة من العقبات والتحديات التي تعترض حربه ضد العراق خلال الاسابيع القليلة القادمة. فالمعارضة الدولية لضرب العراق تزداد، وتزداد معها تساؤلات الامريكيين عن جدوى ضرب العراق في الوقت الحاضر، وكل من فرنسا والمانيا وروسيا والصين ما زالت تتمسك بمواقفها المعارضة للحرب، وذلك بالرغم من اتهام مفتشي الامم المتحدة للعراق بعدم التعاون، وحتى بريطانيا فإنها تطالب بالعودة الى مجلس الأمن قبل اعلان الحرب على العراق. وقد لا ينجح وزير الخارجية الامريكي كولن باول في اقناع مجلس الامن الدولي بأدلة ادانة صدام. ولكن وعلى الرغم من كل هذه التحديات والصعوبات فإن تصريحات الرئيس بوش والعبارات التي يستخدمها توحي اكثر واكثر بإصراره على الحرب وكأنه يحمل بيديه المسمار الاخير الذي سيدقه في جنازة النظام العراقي. وبالتالي لم يعد هناك من خيار امام الرئيس صدام الا الرحيل او مواجهة الحرب. وهناك مجموعة من الاسباب التي تجعل الرئيس بوش يتمسك بموقفه من العراق، ومن اهمها:

1 ـ ان امريكا هي القوة العظمى الوحيدة في العالم وعندما تبدأ حربها ضد العراق فلن تجد أي معارضة فعلية لها.

2 ـ ان الدعم الايطالي والاسباني ومجموعة من الدول الاوربية الأخرى لواشنطن ولندن سوف يضعف الموقف الفرنسي والالماني بداخل اوربا. ولقد اظهرت فرنسا قلقها من هذا الامر واعلنت عن رفضها لفكرة الانقسام الاوربي وعن استخدام اوربا ضد اوربا في هذه المسألة. وطلبت فرنسا من الدول الاوربية المؤيدة لواشنطن تفهم الموقف الفرنسي الذي يدعو في حقيقته ـ كما اشارت التصريحات الفرنسية ـ الى حزم كبير ضد العراق ولكن من خلال الامم المتحدة. وقد تكون هذه التصريحات مؤشرا على بداية التغيير في الموقف الفرنسي. وسوف يؤدي اي تغيير في الموقف الفرنسي الحالي الى تغيرات مماثلة في المواقف الالمانية والروسية والصينية.

3 ـ عدم اعطاء الرئيس بوش اهمية كبيرة لمسألة الزيادة في معارضة الرأي العام الاوربي والامريكي والدولي لعملية ضرب العراق. وان اساتذة السياسة يعرفون جيدا ان الرأي العام لا يؤثر في قرارات السياسة العامة إلا اذا كان احتمال تأثيره في الانتخابات هو احتمال قوي. ويقول استاذ العلوم السياسية (كي) بأن السياسيين لن يعطوا الرأي العام اي اهمية في قراراتهم إلا اذا اعتقدوا بأنه قد يعاقبهم في انتخابات قريبة قادمة. ولهذا فإن الرأي العام الدولي لن يكون له اي تأثير على موقف الرئيس بوش. واما الرأي العام الامريكي فما زالت غالبيته تدعم موقف الرئيس بوش تجاه العراق. ومن المتوقع لهذا الدعم ان يزداد بسبب توجه الادارة الامريكية مؤخرا نحو الربط بين صدام والقاعدة. واضافة الى ذلك فإن الرئيس بوش يعتقد بصفة عامة ان قراراته ينبغي ان تكون مبنية على المعلومات المتوفرة لديه وعلى قناعته بحقائق الامور وليس على توجهات الرأي العام التي غالبا ما تتغير من يوم لآخر، وفي مقابلته الطويلة المسجلة مع بوب ودورد مؤلف كتاب (بوش في الحرب)، والتي اذاعت (CNN) مقتطفات منها مؤخرا اجاب الرئيس بوش عندما سأله بوب ودورد عن درجة تأثره بتوجهات الرأي العام بأنه لا يعطي للرأي العام اهمية كبيرة في قراراته لأن توجهات الرأي العام هي تاريخ يعبر عن فترة سابقة بينما مسؤوليته هو تستلزم قيادة الأمة في الحاضر والمستقبل. وانه عندما تصدر احدى نتائج استطلاع الرأي العام فإنها تعبر عن الرأي العام خلال الاربع والعشرين ساعة الماضية. واما هو فإنه سيكون مشغولا في التفكير في الاربع والعشرين ساعة المقبلة.

4 ـ ان جميع الاعتبارات الاقتصادية سواء المرتبطة بالاوضاع الحالية للاقتصاد الامريكي او بالنظرة الامريكية لمؤثرات الحرب المتوقعة على الاقتصاد الامريكي والاقتصاد الدولي، كل هذه الاعتبارات تدفع بالرئيس بوش الى التمسك بقرار الحرب وعدم التراجع عنه. واذا كان الرئيس بوش يفكر فعلا بانتخابات 2004 الرئاسية منذ الآن، فإنه سيعطي اهمية خاصة للاعتبارات الاقتصادية التي تدفع باتجاه الحرب.

5 ـ لو اقدم بوش على ضرب العراق ونجح في اسقاط نظام صدام دون خسائر كبيرة فسوف ينسى الرأي العام الدولي مسألة اسلحة الدمار الشامل، فحتى ولو اتضح ان العراق لا يمتلك اي اسلحة كيماوية او جرثومية وان الحرب ضده لم تكن مبررة، فلن يتحمل الرئيس بوش اي مسؤولية سياسية او اخلاقية داخلية او دولية. ولكن الرئيس بوش يشعر بالمقابل ان امتناعه عن ضرب العراق قد يتيح الفرصة امام صدام لتزويد القاعدة بأسلحة الدمار الشامل وهو الامر الذي سيجعل الرئيس بوش يواجه مسؤوليات سياسية واخلاقية كبيرة في الداخل والخارج. ولهذا فإن قرار اعلان الحرب ـ من منظور بوش ـ هو اضمن واسلم من قرار الامتناع عنها.